للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن انكشف، والاستطراد إن ولّى. وقال صاحب كتاب كليلة ودمنة: إذا عرف الملك أنّ رجلا يساوى به فى المنزلة والرأى والهمّة والمال واتّبع فليصرعه، فإن لم يفعل فهو المصروع. وقيل: من لم يقدّمه حزمه أخّره عجزه. وقيل: من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.

قال البحترىّ:

فتى لم يضيّع وجه حزم ولم يبت ... يلاحظ أعجاز الأمور تعقّبا

ومثله قول آخر:

وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعا

وقيل: من لم ينظر فى العواقب فقد تعرّض لحادثات النوائب. قال الشاعر:

ومن ترك العواقب مهملات ... فأيسر سعيه أبدا تبار

وقال صاحب كتاب كليلة ودمنة: رأس الحزم للملك معرفته بأصحابه وإنزالهم منازلهم واتهام بعضهم على بعض، فإنه إن وجد بعضهم إلى هلاك بعض سبيلا أو إلى تهجين بلاء المبلين وإحسان المحسنين والتغطية على إساءة المسيئين، سارعوا الى ذلك، واستحالوا [١] محاسن أمور المملكة، وهجّنوا محاسن رأيه؛ ولم يبرح منهم حاسد قد أفسد ناصحا، وكاذب قد اتّهم أمينا، ومحتال قد أغضب بريئا. وليس ينبغى للملك أن يفسد أهل الثقة فى نفسه بغير أمر يعرفه، بل ينبغى فى فضل حلمه وبسطة علمه الحيطة على رأيه فيهم، والمحاماة على حرمتهم وذمامهم، وألّا يرتاح [٢] إلى إفسادهم، فلم يزل جهّال الناس يحسدون علماءهم، وجبناؤهم شجعانهم، ولئامهم كرماءهم، وفجّارهم أبرارهم، وشرارهم خيارهم.


[١] كذا فى الأصل. ولعله: «أحالوا» بمعنى غيّروا.
[٢] فى الأصل «ألا يريح» ولعل الصواب ما وضعناه.