للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأدخل عليه، فما مثل بين يديه دعا بالنّطع والسيف فأحضرا، وجعل تميم بن جميل يصعّد النظر إلى ذلك ولا يقول شيئا، وجعل المعتصم يصعّد النظر فيه ويصوّبه، وكان جسيما وسيما، فرأى أن يستنطقه لينظر أين جنانه ولسانه من منظره، فقال:

يا تميم، إن كان لك عذر فأت به أو حجّة فأدل بها؛ فقال: أمّا إذ قد أذنت لى يا أمير المؤمنين بالكلام فإنى أقول: الحمد لله الذى أحسن كلّ شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، [ثم جعل [١] نسله من سلالة من ماء مهين] ، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدّين، ولأم بك شعث الأمّة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سراج الحقّ؛ يا أمير المؤمنين، إن الذنوب تخرس الألسنة، وتصدع الأفئدة، ولقد عظمت الجريرة وكبر الذنب وساء الظنّ، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، وأرجو أن يكون أقربهما منك وأسرعهما إليك أولاهما بإمامتك وأشبههما بخلافتك، ثم أنشد:

أرى الموت بين السيف والنّطع كامنا ... يلاحظنى من حيثما أتلفّت [٢]

وأكبر ظنّى أنك اليوم قاتلى ... وأىّ امرئ مما قضى الله يفلت!

ومن ذا الذى يدلى بعذر وحجّة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت

يعزّ على أبناء تغلب موقف ... يسلّ علىّ السيف فيه وأسكت

وما جزعى من أن أموت وإننى ... لأعلم أنّ الموت شىء مؤقّت

ولكنّ خلفى صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتّت

كأنى أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوّتوا

فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة ... أذود الردى عنهم وإن متّ موّتوا

وكم قائل: لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسرّ ويشمت


[١]- هذه الزيادة موجودة فى العقد الفريد.
[٢] كذا فى العقد الفريد (ج ١ ص ٢٣٨. وفى الأصل: من حيث لا ... ) .