للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فتبسّم المعتصم وقال: كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل! اذهب فقد غفرت لك الهفوة وتركتك للصّبية.

وحكى: أن عبد الملك بن مروان غضب على رجل فهرب منه، فلما ظفر به أمر بقتله؛ فقال له الرجل: إن الله قد فعل ما أحببت من الظفر فافعل ما يحبّه من العفو، فإن الانتقام عدل والتجاوز فضل، والله يحبّ المحسنين؛ فعفا عنه.

وحكى عن محمد بن حميد الطّوسىّ أنه كان يوما على غدائه مع جلسائه إذا بصيحة عظيمة على باب داره، فرفع رأسه وقال لبعض غلمانه: ما هذه الضجّة؟

من كان على الباب فليدخل؛ فخرج الغلام ثم عاد إليه وقال: إن فلانا أخذ وقد أوثق بالحديد والغلمان ينتظرون أمرك فيه؛ فرفع يده من الطعام؛ فقال رجل من جلسائه:

الحمد لله الذى أمكنك من عدوّك، فسبيله أن تسقى الأرض من دمه؛ وأشار كلّ من جلسائه عليه بقتله على صفة اختارها، وهو ساكت؛ ثم قال: يا غلام، فكّ عنه وثاقه ويدخل إلينا مكرّما، فأدخل عليه رجل لادم فيه؛ فلما رآه هشّ إليه ورفع مجلسه وأمر بتجديد الطعام، وبسطه بالكلام ولقّمه حتى انتهى الطعام، ثم أمر له بكسوة حسنة وصلة، وأمر بردّه إلى أهله مكرّما ولم يعاتبه على جرم ولا جناية، ثم التفت إلى جلسائه وقال لهم: إنّ أفضل الأصحاب من حضّ الصاحب على المكارم، ونهاه عن ارتكاب المآثم؛ وحسّن لصاحبه أن يجازى الإحسان بضعفه، والإساءة بصفحه؛ إنا إذا جازينا من أساء الينا بمثل ما أساء فأين موقع الشكر على النعمة فيما أتيح من الظفر! إنه ينبغى لمن حضر مجالس الملوك أن يمسك إلا عن قول سديد وأمر رشيد، فإنّ ذاك أدوم للنعمة وأجمع للألفة؛ إن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

الآية.