للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى الحبس ممن يؤمن شرّه غيرهما فليفرج عنه ودعهما فى موضعهما، فإنه من أطلق مثلهما على الناس فهو شرّ منهما وشريكهما فى فعلهما.

وكتب رجل إلى المأمون- وكان قد طال حبسه-: أغفلت يا أمير المؤمنين أمرى، وتناسيت ذكرى، ولم تتأمّل حجّتى وعذرى، وقد ملّ من صبرى الصبر، ومسّنى فى حبسك الضّرّ. فأجابه المأمون: ركوبك مطية الجهل، صيّرك أهلا للقتل، وبغيك علىّ وعلى نفسك نقلك من سعة الدنيا إلى قبر من قبور الأحياء، ومن جهل الشكر على المنن قلّ صبره على المحن، فاصبر على عواقب هفواتك وموبقات زلّاتك، على قدر صبرك على كثير جناياتك؛ فإن حصل فى نفسك كفّ عن معصيتى، وعزم على طاعتى، وندم على مخالفتى، فلن تعدم مع ذلك جميلا من بيتى [١] والسلام.

وقيل لأعرابىّ: أيسرّك أن تدخل الجنّة ولا تسيىء إلى من أساء إليك؟ قال:

بل يسرّنى أن أدرك الثار وأدخل النار. قال البحترىّ:

تذمّ الفتاة الرّؤد شيمة بعلها ... إذا بات دون الثأر وهو ضجيعها

ويقال: إنما هو مالك وسيفك، فازرع بملك من شكرك، واحصد بسيفك من كفرك. قال الشاعر:

قطّ العدا قطّ اليراعة وانتهز ... بظبا السيوف سوائم الأضغان

إنّ البيادق إن توسّع خطوها ... أخذت إليك مآخذ الفرزان

وقالوا: العفو يفسد من اللئيم، بقدر ما يصلح من الكريم. وقال معاوية ابن يزيد بن معاوية لأبيه: هل ذممت عاقبة حلم قطّ؟ قال: ما حلمت عن لئيم وإن كان وليّا إلا أعقبنى ندما على ما فعلت. قال بعض الشعراء:

متى تضع الكرامة من لئيم ... فإنّك قد أسأت إلى الكرامه


[١] كذا فى الأصل ولعله: «برّى» .