للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليكن غضبه تغاضبا يملك به عزمه، ويقوّم به خصمه، فيسلم من جور غضبه ويقف على اعتدال تغاضبه. فقد قيل فى بعض صحف بنى إسرائيل: إذا كان الرجل ذا غضب تواترت عليه الوضائع [١] ، فكلّما اشتدّ غضبه ازداد بلاء. وقد يقترن بالغضب لجاج يساويه فى معرّته، ويشاركه فى مضرّته؛ لأن فى اللّجاج التزام الخطأ واطّراح الصواب. فليدع عنه لجاج الخصم الألدّ، وليتجنّب عواقب المدل الفدم [٢] .

وليتابع الرأى فيما اقتضاه؛ فلأن ينتفع بالرأى خير من أن يستضرّ بالّلجاج. فقد قال بعض الحكماء: من استعان بالرأى ملك، ومن كابر الأمور هلك. وقال ابن المقفّع:

دع اللّجاج فإنه يكسر عزائم العقول. وقيل: الظّفر لمن احتجّ، لا لمن لجّ.

وليأخذ الوزير أموره بالجدّ دون الهزل. فالجدّ والهزل ضدّان متنافران؛ لأن الجدّ من قواعد الحقّ الباعث على الصلاح، والهزل من مرح الباطل الداعى إلى الفساد؛ فصار فرق ما بين الجدّ والهزل هو فرق ما بين الحقّ والباطل. وتنافر الأضداد يمنع من الجمع بينهما [٣] ؛ فمتى انفرد بأحدهما كان للآخر تاركا.

وقد روى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: العقل حسام قاطع، والحلم غطاء ساتر، فقابل هواك [٤] بعقلك، واستر خلل خلقك بحلمك، واستعمل الجدّ ينقد إليك الحقّ ويفارقك الباطل. ولا تعدل إلى الهزل فيتبعك الباطل وينافرك الحقّ. وقلّما انثلمت هيبة الجدّ أو تكاملت هيبة الهزل. والهيبة أسّ السلطنة.


[١] الوضائع: الأثقال.
[٢] الفدم: الغليظ الأحمق الجافى وفى الأصل «المدل الندم» وفى قوانين الوزارة: «النذل الفدم» . وما أثبتناه مختارا من الأصل ومن قوانين الوزارة هو المناسب للسياق.
[٣] كان الظاهر أن تكون الجملة: وتنافر الضدين يمنع من الجمع بينهما، أو: وتنافر الأضداد يمنع من الجمع بينها، ليوافق الضمير مرجعه.
[٤] فى قوانين الوزارة: «فقاتل هواك ... »
وكلتا الكلمتين يستقيم بها المعنى.