للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكى عن عمرو بن مرّة أن رجلا من قريش قال لعمر بن الخطّاب رضى الله عنه: لن لنا فقد ملأت قلوبنا مهابة؛ فقال عمر: أفى ذلك ظلم؟ قال: لا؛ قال:

فزادنى الله فى صدوركم مهابة. وقال حكيم الهند: ليكن [فيك [١]] مع طلاقتك تشدّد، لئلّا يجترأ عليك بالطلاقة وينفر منك بالتشدّد. والهزل إنما يكون من سخف أو بطر يجلّ عنهما من ساس الرعايا ودبّر الممالك. وسأل ملك الهند الإسكندر [وقد دخل بلاده [٢]] : ما علامة [دوام [٣]] الملك؟ قال: الجدّ فى كلّ الأمور؛ قال: فما علامة زواله؟ قال: الهزل فيها. وليس الكبر والعنف جدّا، ولا التواضع واللطف هزلا.

قالوا: وإن استكدّ الجدّ خاطره فلا بأس أن يستروح ببعض الهزل ليستعين به على مصابرة الجدّ، لكن يكون فى زمان راحته وأوقات خلوته بمقدار دوائه من دائه، فإن الكلال ملال [٤] . وليكن ذلك كما قال بعض الشعراء:

أفد طبعك المكدود بالجدّ راحة ... يجمّ وعلّله بشىء من المزح

ولكن إذا أعطيته المزح فليكن ... بمقدار ما تعطى الطعام من الملح

وكذلك فليتحرّ الصدق ويتجنّب الكذب، فإنّهما ضدّان متنافران تختلف عللهما وتفترق نتائجهما؛ فالصدق من لوازم العقل وهو أسّ الدّين وقوام الحقّ؛ والكذب من غرائز الجهل وهو زور يقترن بغرور، إن التبست أوائله انهتكت [٥] أواخره، وإن جرّ التباسه نفعا عاد انهتاكه ضررا، فلن يسلم من معرّة زوره، ومضرّة غروره.

وقد قدّمنا من مدح الصدق فى باب المدح، وذمّ الكذب فى باب الهجاء، ما فيه غنية عن تكراره. وحيث ذكرنا هذه المقدّمة فى اشتقاق الوزارة وما يحتاج الوزير إليه فلنذكر صفة الوزارة وشروطها.


[١] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٢] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٣] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٤] كذا فى قوانين الوزارة، وفى الأصل «ملول» .
[٥] كذا فى قوانين الوزارة، والمصدر الآتى يعينه، وفى الأصل «انتهكت» .