للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الماوردى: فأما العهود الموقظة فسأقول، وأرجو أن يقترن بالقبول:

اجعل أيها الوزير لله تعالى على سرّك رقيبا يلاحظك من زيغ فى حقه، واجعل لسلطانك على خلوتك رقيبا يكفّك عن تقصير فى أمره؛ ليسلم دينك فى حقوق الله تعالى، وتسلم دنياك فى حقوق سلطانك، فتسعد فى عاجلتك وآجلتك. فإن تنافى اجتماعهما لك فقدّم حقّ الله تعالى على حق الملك. فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه [فآثروا [١] ما يبقى على ما يفنى] »

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضى الله عنه وأرضى عنه الناس»

. قال: حقّ [٢] عليك أيها الوزير أن تكون بأمور الناس خبيرا، وإلى أحوالهم متطلّعا، وبهم على نفسك وعليهم مستظهرا، لأنهم من بين من تسوسه أو تستعين به، لتعلم ما فيهم من فضل ونقص وعلم وجهل وخير وشرّ، وتتحرّز من غرور المتشبه [٣] وتدليس المتصنّع؛ فتعطى كل واحد حقّه، ولا تقصّر بذى فضل، ولا تعتمد على ذى جهل.

فقد قيل: من الجهل صحبة ذوى الجهل، ومن المحال مجادلة ذوى المحال. وافرق بين الأخيار والأشرار، فإنّ ذا الخير يبنى، وذا الشرّ يهدم. واحذر الكذوب فلن ينصحك من غشّ نفسه؛ ولن ينفعك من ضرّها. ولا تستكفين عاجزا فيضيّع العمل، ولا شرها فيضرّك باحتجانه [٤] . ولا تعبأ بمن لا يحافظ على المروءة، فقلما تجد فيه خيرا؛ لزهده فى صيانة النفس وميله إلى خمول القدر. وبعيد ممن أسقط حق


[١] تتمة الحديث عن قوانين الوزارة وعن الجامع الصغير.
[٢] كذا فى قوانين الوزارة، وفى الأصل «حقيق» وهو غير ملائم لما هنا.
[٣] كذا فى قوانين الوزارة، ولعل المتشبه: من يظهر بغير ما فطر عليه من صفات ومواهب، بأن يظهر مظهر ذى الكفاية والفضل وليس به. وفى الأصل: «المشيه» وهو تحريف.
[٤] احتجن المال: ضمه لنفسه واحتواه.