أوجب ونصرة دينه ألزم. قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ
. نزلت الآية فى حاطب بن أبى بلتعة وقد كتب كتابا إلى أهل مكة حين همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوهم يعلمهم فيه بالخبر وأنفذه مع سارّة- مولاة لبنى المطلب- فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فأنفذ عليّا والزبير فى أثرها، فأدركاها وأخذا الكتاب من قرون رأسها، فدعا النبىّ صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال:«ما حملك على ما صنعت» ؛ فقال: والله يا رسول الله إنى لمؤمن بالله ورسوله، ما كفرت ولا بدّلت ولكنى امرؤ ليس لى فى القوم أصل ولا عشيرة وكان لى بين أظهرهم أهل وولد فصانعتهم [١] عليهم؛ فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى مبيّنا فى أثناء السيرة النبوية عند ذكرنا لغزوة الفتح، فتأمله هناك تجده.
وأما ما يلزمهم فى حق الأمير عليهم فأربعة أشياء. أحدها: التزام طاعته والدخول فى ولايته؛ لأن ولايته عليهم انعقدت، وطاعته بالولاية وجبت. والثانى: أن يفوّضوا الأمر إلى رأيه ويكلوه إلى تدبيره، حتى لا تختلف آراؤهم فتختلف كلمتهم ويفترق جمعهم. قال الله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
فجعل تفويض الأمر إلى وليّه سببا إلى حصول العلم وسداد الأمر.
فإن ظهر لهم صواب خفى عليه بيّنوه له وأشاروا به عليه. والثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، لأنهما من لوازم طاعته. فإن توقّفوا عما أمرهم به أو أقدموا على ما نهاهم عنه ورأى تأديبهم على المخالفة بحسب أفعالهم، فعل.
[١] فى الأصل «فطالعتهم بذلك» وما أثبتناه عن تاريخ الكامل لابن الأثير (ج ٣ ص ١٨٤ طبع مدينة «ليدن» ) وعن الطبرى (القسم الأوّل ص ١٦٢٧ طبع أوربا) وعن السيرة النبوية لابن هشام (ص ٨١٠ طبع أوربا) وعن شرح القسطلانى فانه بعد أن شرح رواية البخارى للحديث فى كتاب الجهاد قال «وفى رواية ابن إسحاق: وكان لى بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم» .