للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها عز وجل بأتمّ الشرف وأفضل الذكر، وأوسع علىّ الرزق، وجعلنى راعى خلقه، وأمينه فى بلاده، والحاكم فى أمر عباده، ليبلونى أأشكرأم أكفر. وأوّل ما ينبغى للمرء أن يتفقّد وينظر من استرعاه الله أمره، ومن لا غنى به عنه. وقد بلغت لى ابنة أريد إنكاحها والنظر فى اختيار من يباعلها، لعل من يكون بعدى يقتدى فيه بهديى ويتبع فيه أثرى. فإنه [١] قد يلى هذا الملك بعدى من يغلب عليه الشيطان ويرقيه الى تعضيل [٢] بناتهم فلا يرون لهم كفؤا ولا نظيرا، وقد رضيت لها ابن سلّام القرشىّ، لدينه وشرفه وفضله ومروءته وأدبه؛ فقالا له: إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما اختصّه منها لأنت؛ فقال لهما معاوية: فاذكرا له ذلك عنى، وقد كنت جعلت لها فى نفسها شورى، غير أنى أرجو ألّا تخرج من رأيى إن شاء الله. فخرجا من عنده وأتيا عبد الله بن سلّام وذكرا له القصة. ثم دخل معاوية على ابنته وقال لها: اذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وحضّاك على المسارعة الى اتباع رأيى فيه، فقولى لهما: إنه كفء كريم وقريب حميم، غير أنّ تحته زينب بنت إسحاق، وأخاف أن يعرض لى من الغيرة ما يعرض للنساء فأتناول منه ما يسخط الله تعالى فيه فيعذّبنى عليه، ولست بفاعلة حتى يفارقها. فلما اجتمع أبو هريرة وأبو الدرداء بعبد الله وأعلماه بقول معاوية، ردّهما اليه يخطبان له منه، فأتياه؛ فقال: قد علمتما رضائى به وحرصى عليه، وكنت قد أعلمتكما الذى جعلت لها فى نفسها من الشّورى، فادخلا عليها واعرضا عليها الذى رأيت لها. فدخلا عليها وأعلماها؛ فقالت لهما ما قاله معاوية لها. فرجعا الى ابن سلّام وأعلماه بما قالته.

فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا فراق زينب أشهدهما بطلاقها وأعادهما الى ابنة معاوية.


[١] عبارة الإمامة والسياسة: «فانى قد تخوّفت أن يدعو من يلى هذا الأمر من بعدى زهو السلطان وسرفه الى عضل نسائهم ... الخ» .
[٢] تعضيل البنات: حبسهنّ عن الزواج ظلما. وفى الأصل: «الى تعطيل بناتهم» .