للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأتيا معاوية وأعلماه بما كان من فراق عبد الله زوجته رغبة فى الاتصال با بنته؛ فأظهر معاوية كراهة فعله وفراقه لزينب وقال: ما استحسنت له طلاق امرأته ولا أحببته، فانصرفا فى عافية ثم عودا إليها وخذا رضاها. فقاما ثم عادا اليه، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها [١] عن رضاها تبرّيّا من الأمر، وقال: لم يكن لى أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى فى نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلّام امرأته ليسرّها، وذكرا من فضله وكمال مروءته وكرم محتده؛ فقالت لهما: إنه فى قريش لرفيع القدر، وقد تعرفان أن الأناة فى الأمور أرفق لما يخاف من المحذور، وإنى سائلة عنه حتى أعرف دخلة أمره وأعلمكما بالذى يزيّنه الله لى، ولا قوّة إلا بالله؛ فقالا: وفّقك الله وخار لك. وانصرفا عنها، وأعلما عبد الله بقولها؛ فأنشد:

فإن يك صدر هذا اليوم ولّى ... فإنّ غدا لناظره قريب

وتحدّث الناس بما كان من طلاق عبد الله زينب وخطبته ابنة معاوية، ولا موه على مبادرته بالطلاق قبل إحكام أمره وإبرامه. ثم استحثّ عبد الله أبا هريرة وأبا الدرداء؛ فأتياها وقالا لها: اصنعى ما أنت صانعة واستخيرى الله، فإنه يهدى من استهداه؛ فقالت: أرجو، والحمد لله، أن يكون [٢] الله قد خار [لى] ، وقد استبرأت [٣] أمره وسألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسى، ولقد اختلف من استشرته فيه، فمنهم الناهى عنه و [منهم] الآمر به، واختلافهم أوّل ما كرهت.

فلما بلّغاه كلامها علم أنه مخدوع، وقال: ليس لأمر الله رادّ، ولا لما لا بدّ [٤] منه


[١] فى الأصل: « ... وسؤالهما ... » .
[٢] فى كتاب الامامة والسياسة: «الحمد لله أرجو أن يكون ... » .
[٣] فى الأساس: «استبرأت الشىء: طلبت آخره لأقطع الشبهة عنى» .
والمعنى هنا أنها استقصت جميع أموره حتى عرفته كل المعرفة.
[٤] فى الأصل: «ولا لما لا يدنيه صاد» ولعله تحريف عما وضعناه، وأن الياء والدال من «يدنيه» محرّفتان عن «بد» وبقية الكلمة محرّفة عن «منه» . ويؤيد هذا أن عبارة «الامامة والسياسة» «ولا لما لا بد أن يكون منه صاد» .