للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صادّ؛ فإن المرء وإن كمل له حلمه واجتمع له عقله واستدّ رأيه ليس بدافع عن نفسه قدرا برأى ولا كيد. ولعل ما سرّوا به واستجذلوا [١] [له] لا يدوم لهم سروره، ولا يصرف عنهم محذوره. وذاع أمره وفشا فى الناس، وقالوا: خدعه معاوية حتى طلّق امرأته، وإنما أرادها لابنه، وقبّحوا فعله. فتمّت مكيدته هذه؛ لكن المقادير أتت بخلاف تدبيره وبضدّ تقديره. وذلك أنه لما انقضت أقراء زينب، وجّه معاوية أبا الدرداء الى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد؛ فخرج حتى قدم الكوفة، وبها يومئذ الحسين بن علىّ رضى الله عنهما، فبدأ أبو الدرداء بزيارته، فسلم عليه الحسين وسأله عن سبب مقدمه؛ فقال: وجّهنى معاوية خاطبا على ابنه يزيد زينب بنت إسحاق؛ فقال له الحسين: لقد كنت أردت نكاحها وقصدت الإرسال اليها اذا انقضت أقراؤها، فلم يمنعنى من ذلك إلا تخيّر مثلك [٢] ، فقد أتى الله بك، فاخطب- رحمك الله- علىّ وعليه، لتتخيّر من اختاره الله لها، وهى أمانة فى عنقك حتى تؤدّيها اليها، وأعطها من المهر مثل ما بذل معاوية عن ابنه؛ فقال: أفعل إن شاء الله. فلما دخل عليها أبو الدرداء قال: أيتها المرأة، إنّ الله خلق الأمور بقدرته، وكوّنها بعزته، فجعل لكل أمر قدرا، ولكل قدر سببا، فليس لأحد عن قدر الله مستحاص، ولا للخروج عن أمره مستناص؛ فكان مما [٣] سبق لك وقدّر عليك الذى كان من فراق عبد الله بن سلّام إيّاك، ولعل ذلك لا يضرّك ويجعل الله فيه خيرا كثيرا؛ وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن ملكها وولىّ عهده والخليفة من بعده


[١] كذا فى «كتاب الامامة والسياسة» وفى الأصل: «ما سوّلوا به واستخذلوا» .
[٢] فى الأصل وفى «كتاب الامامة والسياسة» : «فلم يمنعنى من ذلك الا تخيير مثلك ... » وظاهر أن الذى يلتئم مع السياق انما هو التخير وهو الانتقاء، اذ المراد هنا انتقاء الرسول الذى يحسن القيام بهذه السفارة.
[٣] كذا فى كتاب الامامة والسياسة. وفى الأصل: «فكان ما سبق لك ... » .