يزيد بن معاوية، والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيّد شباب أهل الجنة، وقد بلغك شأنهما وسناؤهما وفضلهما، وقد جئتك خاطبا عليهما، فاختارى أيّهما شئت؛ فسكتت طويلا ثم قالت: يا أبا الدرداء، لو أن هذا الأمر جاءنى وأنت غائب لأشخصت فيه الرسل إليك واتّبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك، فأمّا إذ كنت أنت المرسل فقد فوّضت أمرى بعد الله إليك وجعلته فى يديك، فاخترلى أرضاهما لديك، والله شاهد عليك، فاقض فى أمرى بالتحرّى ولا يصدّنّك عن ذلك اتباع هوى، فليس أمرهما عليك خفيّا، ولا أنت عما طوّقتك غبيّا؛ فقال: أيتها المرأة، إنما علىّ إعلامك وعليك الاختيار لنفسك؛ قالت: عفا الله عنك! إنما أنا ابنة أخيك، ولا غنى لى عنك، فلا تمنعك رهبة أحد عن قول الحق فيما طوّقتك، فقد وجب عليك أداء الأمانة فيما حمّلتك؛ والله خير من روعى وخيف، إنه بنا خبير لطيف. فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة قال: أى بنيّة، إن ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إلىّ وأرضى عندى، والله أعلم بخيرهما لك، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع شفتيه على شفتى حسين، فضعى شفتيك حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم شفتيه؛ قالت: قد اخترته وأردته ورضيته. فتزوّجها الحسين وساق لها مهرا عظيما. فبلغ ذلك معاوية فتعاظمه ولام أبا الدرداء شديدا، وقال: من يرسل ذا بله وعمى يركب خلاف ما يهوى. وأما عبد الله ابن سلّام فإنّ معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده، لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه، ولم يزل يجفوه حتى عيل صبره وقلّ ما فى يديه. فرجع الى العراق، وكان قد استودع زينب قبل طلاقه لها مالا عظيما ودرّا كثيرا، فظن أنها تجحده لسوء فعله بها وطلاقها من غير شىء كان منها، فلقى حسينا فسلّم عليه، ثم قال: قد علمت ما كان من خبرى وخبر زينب، وكنت قد استودعتها مالا ولم أقبضه، وأثنى عليها وقال له: