للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينهم أن يستعملوا المجاديف التى فى جوف المركب، وكرّبه راجعا الى الشأم. ففعل ما أمره به معاوية. وصادف وصول ذلك القائد وجود البطريق [١] فى ضيعته، فبسط ذلك البساط على ظهر المركب ووصل الى عرض ضيعة العلج؛ فلما عاين البساط حمله الشّره والحرص الى أن دخل المركب، فلما صار فى المركب أشار [القائد] الى رجاله فرجعوا بالمركب بعد أن أوثق البطريق ومن معه، وسار بهم حتى قدم على معاوية. فأحضر معاوية البطريق ووقفه بين يديه، وأحضر القرشىّ وقال: هذا صاحبك؟ قال:

نعم؛ قال: قم فاصنع به ما صنع بك ولا تزد؛ فقام القرشىّ فوكزه كما كان فعل به العلج. ثم قال معاوية للبطريق: ارجع الى ملكك وقل له: تركت ملك الإسلام يقتصّ من أصحاب بساطك، وقال للذى ساقه: انصرف به الى أوّل أرض الروم وأخرجه، واترك له البساط وكل ما سألك أن تحمله اليه من هديّة. فانصرف به الى فم وادى القسطنطينية، فوجد ملك الروم قد صنع سلسلة على فم الوادى ووكّل بها الرجال، فلا يدخل أحد الى الوادى إلا بإذنه؛ فأخرج العلج ومن معه وما معه. فلما وصل الى ملكه ووصف له ما صنع به معاوية قال: هذا ملك كبير الحيلة. فعظم معاوية فى أعينهم وفى نفوسهم فوق ما كان. وهذه الواقعة محاسنها تستر مساوى ما تقدّمها.

وهذا الباب متّسع، ستقف إن شاء الله فى التاريخ الذى أوردناه فى كتابنا هذا [على [٢]] ما تكتفى به وتطّلع منه على المكايد.

وحيث انتهينا الى هذه الغاية فى أوصاف قادة الجيوش، فلنذكر الآن فضيلة الجهاد ووصف الجيوش والوقائع.


[١] فى الأصل: «وصادف وصول ذلك القائد والبطريق ... » .
[٢] زيادة يقتضيها الكلام.