والرفيع والوضيع، والغثّ والسمين، والشكل وخلافه، والجنس وضدّه؛ وبعد: فمتى رأيت بستانا يحمل فى ردن «١» ؟ وروضة تقلّب فى حجر؟ ينطق عن الموتى، ويترجم كلام الأحيا، ومن لك بمؤنس لا ينام إلّا بنومك، ولا ينطق إلّا بما تهوى، «آمن من الأرض» وأكتم للسر من صاحب السرّ، وأضبط لحفظ الوديعة من أرباب الوديعة، وأحضر لما استحفظ من الأمّيين، ومن الأعراب المعربين، بل من الصّبيان قبل اعتراض الأشغال، ومن العميان قبل التمتّع بتمييز الأشخاص، حين العناية تامة لم تنتقص والأذهان فارغة لم تقتسم، والإرادات وافرة لم تستعتب «٢» ، والطينة لينة فهى أقبل ما تكون للطابع، والقضيب رطب فهو أقرب ما يكون للعلوق، حين هذه الخصال لم يلبس جديدها، ولم تتفرّق قواها، وكانت كقول الشاعر:
أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبى فارغا فتمكّنا
وقال ذو الرمّة لعيسى بن عمر: اكتب شعرى، فالكتاب أعجب إلى من الحفظ لأن الأعرابىّ ينسى الكلمة قد تعب فى طلبها يوما أو ليلة، فيضع موضعها كلمة فى وزنها «٣» لم ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدّل كلاما بكلام. قال: ولا أعلم جارا أبرّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلّما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية، ولا أقلّ خيانة، ولا أقلّ إبراما وإملالا، ولا أقل خلافا وإجراما ولا أقلّ غيبة، ولا أكثر أعجوبة وتصرّفا، ولا أقلّ صلفا وتكلّفا، ولا أبعد من مراء، ولا أترك لشغب، ولا أزهد فى جدال، ولا أكفّ عن قتال من كتاب؛ ولا أعلم شجرة أطول عمرا، ولا أجمع «٤» أمرا، ولا أطيب ثمرة، ولا أقرب مجتنى