وقال العتّابىّ: سألنى الأصمعىّ فى دار الرشيد: أىّ الأنابيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف «١» بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضّيّة الكسور؛ قال: فأى نوع من البرى أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطّة التى عن يمين سنها برية تؤمن معها المحبّة عند المدة والمطّة، للهواء فى شقّها فتيق، والريح فى جوفها خريق «٢» ، والمداد فى خرطومها رقيق. قال العتابىّ: فبقى الأصمعى شاخصا إلىّ ضاحكا، لا يحير مسألة ولا جوابا.
وكتب على بن الأزهر إلى صديق له يستدعى منه أقلاما: أما بعد: فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التى غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم «٣» ؛ فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب؛ وجدنا الأقلام الصّحريّة «٤» أجرى فى الكواغد «٥» وأمرّ فى الجلود، كما أنّ البحريّة منها أسلس فى القراطيس، وألين فى المعاطف وأشد لتعريف «٦» الخط فيها، ونحن فى بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت فى أن تتقدّم فى اختيار «٧» أقلام صحريّة، وتتنوّق «٨» فى اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم، وأن تتيمّن «٩» باختيارك منها الشديدة الصّلبة