النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيقة الأجواف «١» ، الرزينة المحمل فإنها أبقى على الكتابة، وأبعد من الحفا، وأن تقصد بانتقائك للرقاق القضبان المقوّمات المتون، الملس المعاقد «٢» ، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا وهى قائمة على أصولها، لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تأخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر «٣» الشتاء وعفن الأنداء؛ فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعا ذراعا قطعا رقيقا، ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية، «٤»[ووجّهتها مع من يؤدّى الأمانة فى حراستها وحفظها وإيصالها] وتكتب معها بعدّتها وأصنافها بغير تأخير ولا توان، إن شاء الله تعالى.
وأهدى ابن الحرون «٥» إلى بعض إخوانه أقلاما وكتب إليه:
إنه لما كانت الكتابة- أبقاك الله- أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة أتحفتك من آلتها بما يخفف حمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره، وهى أقلام من القصب النابت فى الصحراء الذى نشف بحرّ الهجير [فى قشره «٦» ] ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ فهى كاللآلئ المكنونة فى الصدف، والأنوار المحجوبة فى السدف «٧» ؛ تبريّة القشور، درّية الظهور، فضية الكسور؛ قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشى المحبّر، ورونقا «٨» كاالديباج «٩» المنيّر.