استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه ووصفه «١» بالغمر الذى هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء.
قال: ويقرب من ذلك الاستعارة بالكناية، وهى أن لا يصرّح بذكر المستعار بل بذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه، كقولهم: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس.
وكقول أبى ذؤيب:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
تنبيها على أنّ الشجاع أسد، والمنيّة سبع، والعالم «٢» بحر، وهذا وإن كان يشبه الاستعارة المجرّدة إلّا أنّه أغرب وأعجب، ويقرب منه قول زهير:
ومن يعص أطراف الزجاج «٣» فإنه ... يطيع العوالى ركّبت كلّ لهذم
أراد أن يقول: من لم يرض بأحكام الصلح رضى بأحكام الحرب، وذلك أنهم كانوا اذا طلبوا الصلح قلبوا زجاج الرماح وجعلوها قدّامها مكان الأسنّة، واذا أرادوا الحرب أشرعوا الأسنّة؛ وقد يسمّى هذا النوع المماثلة أيضا.
قال: وقد ينزلون الاستعارة منزلة الحقيقة، وذلك أنهم يستعيرون الوصف المحسوس للشىء المعقول ويجعلون كأنّ تلك الصفة ثابتة لذلك الشىء فى الحقيقة، وأنّ الاستعارة لم توجد أصلا، مثاله استعارتهم العلوّ لزيادة الرجل على غيره فى الفضل والقدر والسلطان ثم وضعهم الكلام وضع من يذكر علوّا مكانيّا «٤» ، كقول أبى تمّام: