قال: ويتصل بهذا ترشيح الاستعارة وتجريدها، أما ترشيحها فهو أن ينظر فيها إلى المستعار، ويراعى جانبه، ويوليه ما يستدعيه، ويضمّ إليه ما يقتضيه، كقول كثير:
رمتنى بسهم ريشه الهدب لم يصب ... بظاهر «١» جسمى وهو فى القلب جارح
وكقول النابغة:
وصدر أراح الليل عازب همّه ... تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب
فالمستعار فى كل واحد منهما وهو الرمى والإراحة منظور اليهما فى لفظ السهم والعازب، وكما أنشد صاحب الكشّاف «٢» :
ينازعنى ردائى عند عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لى الشطر الذى ملكت يمينى ... ودونك فاعتجر منه بشطر
أراد بردائه سيفه، ثم نظر إلى المستعار فى لفظ الاعتجار. وأما تجريدها فهو أن يكون المستعار له منظورا إليه، كقوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
فإن الإذاقة لمّا وقعت عبارة عما يدرك من أثر الضرر «٣» والألم تشبيها له بما يدرك من الطعم المرّ البشع، واللباس عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قال: فأذاقها الله ما غشيها من ألم الجوع والخوف، وكقول زهير:
لدى أسد شاكى «٤» السلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم
فلو نظر الى المستعار لقال: أسد دامى المخالب أو دامى البراثن، ونظر زهير فى آخر البيت الى المستعار أيضا، ومنه قول كثّير:
غمر الرداء اذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال