أو لتأكيد إثبات الفعل له لا للحصر، كقولك: هو يعطى الجزيل، لتمكّن فى نفس السامع أن ذلك دأبه دون نفيه عن غيره، ومنه قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
فإنه ليس المراد تخصيص المخلوقية بهم، وقوله تعالى: وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ
وكقول درنى بنت عبعبة «١» :
هما يلبسان المجد أحسن لبسة ... شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما
قال: والسبب فى هذا التأكيد أنك إذا قلت مثلا: زيد، فقد أشعرت بأنك تريد الحديث عنه فيحصل للسامعه تشوّق إلى معرفته، فإذا ذكرته قبلته النفس [قبول العاشق معشوقه «٤» ] فيكون ذلك أبلغ فى التحقيق ونفى الشكّ والشبهة، ولهذا تقول لمن تعده: أنا أعطيك أنا أكفيك، أنا أقوم بهذا الأمر، وذلك إذا كان من شأن من يسبق له وعد أن يعترضه الشك فى وفائه، ولذلك يقال فى المدح:
أنت تعطى الجزيل، أنت تجود حين لا يجود أحد، ومن هاهنا تعرف الفخامة فى الجمل التى فيها ضمير الشأن والقصّة كقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
وقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ*
وأن فيها ما ليس فى قولك: فإن الأبصار لا تعمى، وإن الكافرين لا يفلحون؛ وهكذا