عند ذكر الوقائع، وإنما نورده ثمّ وإن كان هذا موضعه ليكون الكلام فيه سياقة، وترد الوقائع يتلو بعضها بعضا، فلا ينقطع الكلام على ما تقف إن شاء الله تعالى عليه فى مواضعه، فلنورد فى هذا الموضع ما هو خارج عن ذلك النّمط من كلامهم، ولنبدأ بذكر شىء من المكاتبات البليغة الموجزة؛ من ذلك ما كتب به عبد الحميد بن يحيى بالوصاة على إنسان فقال: حقّ موصل هذا الكتاب عليك كحقّه علىّ إذ رآك موضعا لأمله، ورآنى أهلا لحاجته، وقد أنجزت حاجته، فحقّق أمله.
ومنه ما حكى أن المأمون قال لعمرو بن مسعدة: اكتب الى فلان كتاب عناية بفلان فى سطر واحد، فكتب: هذا كتاب واثق بمن كتب اليه، معتن بمن كتب له «١» ، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله.
وكتب عمرو بن مسعدة الى المأمون يستعطفه على الجند: كتابى الى أمير المؤمنين ومن قبلى من أجناده وقوّاده فى الطاعة على أفضل ما تكون عليه طاعة جند تأخّرت أرزاقهم، واختلّت أحوالهم. فأمر بإعطائهم رزق ثمانية أشهر.
وكتب أحمد بن يوسف الى المأمون يذكّره بمن على بابه من الوفود فقال:
إنّ داعى نداك، ومنادى جدواك، جمعا ببابك الوفود، يرجون نائلك العتيد؛ فمنهم من يمتّ بحرمة، ومنهم من يدلى»
بخدمة؛ وقد أجحف بهم المقام، وطالت عليهم الأيام؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن ينعشهم بسيبه «٣» ، ويحتوش ظنونهم بطوله فعل.