للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقاصرت قامته؛ وعاد نحيفا ضئيلا، باليا هزيلا؛ بادى السّقام، عارى العظام؛ جامعا للمعايب، مشتملا على المثالب؛ يعجب العاقل من حلول الروح فيه؛ لأنه عظم مجلّد، وصوف ملبّد؛ لا تجد فوق عظامه سلبا «١» ، ولا تلقى اليد منه إلا خشبا؛ لو ألقى للسّبع لأباه، أو طرح للذئب لعافه وقلاه؛ وقد طال للكلأ فقده، وبعد بالمرعى عهده؛ لم ير القتّ «٢» إلّا نائما، ولا الشعير إلا حالما. وقد خيّرتنى بين أن أقتنيه فيكون فيه غنى الدهر، أو أذبحه فيكون فيه خصب الشّهر؛ فملت إلى استبقائه؛ لما تعلمه من محبّتى فى التوفير، ورغبتى فى التّثمير؛ وجمعى للولد، وادّخارى لغد؛ فلم أجد فيه مستمتعا للبقاء، ولا مدفعا للفناء؛ لأنه ليس بأنثى فيحمل، ولا بفتىّ فينسل، ولا بصحيح فيرعى «٣» ، ولا بسليم فيبقى؛ فملت إلى الثانى من رأييك، وعملت بالآخر من قوليك؛ وقلت: أذبحه فيكون وظيفة للعيال، وأقيمة رطبا مقام قديد الغزال؛ فأنشدنى وقد أضرمت النار، وحدّدت الشّفار، وشمّر الجزّار:

أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم

وما الفائدة لك فى ذبحى! وإنما أنا كما قيل:

لم يبق إلّا نفس خافت ... ومقلة إنسانها باهت

ليس لى لحم يصلح»

للأكل، فإنّ الدهر أكل لحمى؛ ولا جلد يصلح للدّبغ، فإن الأيام مزّقت أديمى؛ ولا صوف يصلح للغزل، فإن الحوادث حصّت «٥» وبرى.