ومن الحكايات التى تعدّ من خرافات العرب ما حكاه بعضهم عن الرّياشىّ «١» قال: كنّا عند الأصمعىّ، فوقف عليه أعرابىّ فقال: أنت الأصمعى؟ قال: نعم؛ قال: أنت أعلم أهل الحضر بكلام العرب؟ قال: يزعمون؛ قال: ما معنى قول أميّة بن أبى الصلت:
وما ذاك إلّا الدّيك شارب خمرة ... نديم غراب لا يملّ الحوانيا «٢»
فلما استقلّ الصبح نادى بصوته ... ألا يا غراب هل رددت ردائيا
فقال الأصمعىّ: إنّ العرب كانت تزعم أنّ الدّيك كان ذا جناح يطير به فى الجوّ وأنّ الغراب كان ذا جناح كجناح الدّيك لا يطير به وأنهما تنادما ليلة فى حانة يشربان فنفد شرابهما؛ فقال الغراب للدّيك: لو أعرتنى جناحك لأتيتك بشراب؛ فأعاره جناحه، فطار ولم يرجع إليه؛ فزعموا أنّ الديك إنما يصيح عند الفجر استدعاء لجناحه من الغراب؛ فضحك الأعرابىّ وقال: ما أنت إلا شيطان.
وهذه الحكاية ذكرها الجاحظ فى كتاب الحيوان بنحو ما حكى عن الأصمعىّ، وساق أبيات أميّة بن أبى الصّلت، وهى:
ولا «٣» غرو إلّا الديك مدمن خمرة ... نديم غراب لا يملّ الحوانيا
ومرهنه عند الغراب جبينه ... فأوفيت مرهونا وخان مسابيا «٤»
أدلّ علىّ الدّيك أنّى كما ترى ... فأقبل على شأنى وهاك ردائيا