ومبادرة الأوابد التى لا تدرك حتى تبلغ القلوب الحناجر؛ وذلك من محاسن أوصافهم التى يذمّ المعرض عنها، وإذا كان المقصود من مثلهم جدّ الحرب فهذه صورة لعب يخرج إليها منها؛ وتارة تدعوهم إلى البروز إلى الملق «١» ، وتحدوهم فى سلوك طريقها مع من هو دونهم على ملازمة الصدق ومجانبة الملق؛ فيعتسفون إليها الدّجى، إذا سجى؛ ويقتحمون فى بلوغها حرق «٢» النهار، إذا انهار؛ ويتنعّمون بوعثاء السفر، فى بلوغ الظّفر؛ ويستصغرون ركوب الخطر، فى إدراك الوطر؛ ويؤثرون السهر على النوم، والليلة على اليوم؛ والبندق على السهام، والوحدة على الالتئام.
ولمّا عدنا من الصيد الذى اتّصل بعلمه حديثه، وشرح له قديم أمره وحديثه؛ تقنا إلى أن نشفع صيد السّوانح برمى الصوادح، وأن نفعل فى الطير الجوانح بأهلّة القسىّ ما تفعل الجوارح؛ تفضيلا لملازمة الارتحال، على الإقامة فى الرّحال «٣» ؛ وأخذا بقولهم:
لا يصلح النفس إذ كانت مدبّرة ... إلّا التّنقّل من حال إلى حال
فبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها، وتسير من الأفق الغربىّ إلى جانب رمسها؛ وتغازل عيون النّوّار بمقلة أرمد، وتنظر إلى صفحات الورد نظر المريض الى وجوه العوّد؛ فكأنها كئيب أضحى من الفراق على فرق، أو عليل يقضى بين صحبه بقايا مدّة الرّمق؛ وقد اخضلّت عيون النّور لوداعها، وهمّ الروض بخلع «٤» حلّته المموّهة بذهب شعاعها.