العزلة فلا يجد له إلّا فى قنن الجبال الشواهق مزارا؛ قد شابت نواصى الليالى وهو لم يشب، ومضت الدهور وهو من الحوادث فى معقل أشب.
مليك طيور الأرض شرقا ومغربا ... وفى الأفق الأعلى له أخوان
له حال فتّاك وحلية ناسك ... وإسراع مقدام وفترة وان
فدنا من مطاره، وتوخّى ببندقه عنقه فوقع فى منقاره؛ فكأنما هدّ منه صخرا، أو هدم بناء مشمخرّا؛ ونظر إلى رفيقه، مبشرا له بما امتاز به عن فريقه.
وإذا به قد أظلّته «عقاب» كاسر، كأنما أضلّت صيدا أفلت من المناسر؛ إن حطّت فسحاب انكشف، وإن قامت «١» فكأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العنّاب والحشف؛ بعيدة ما بين المناكب، إذا أقلعت لجّت فى علوّ كأنّما تحاول ثأرا عند بعض الكواكب.
ترى الطير والوحش فى كفّها ... ومنقارها ذا عظام مزاله
فلو أمكن الشمس من خوفها ... إذا طلعت ما تسمّت غزاله
فوثب إليها الثامن وثبة ليث قد وثق من حركاته بنجاحها، ورماها بأوّل بندقة فما أخطأ قادمة جناحها؛ فأهوت كعود صرع، أو طود صدع؛ قد ذهب باسها، وتذهّب بدمها لباسها؛ وكذلك القدر يخادع الجوّ عن عقابه، ويستنزل الأعصم «٢» من عقابه؛ فحملها بجناحها المهيض «٣» ، ورفعها بعد الترفّع فى أوج جوّها من الحضيض؛ ونزلا إلى الرّفقه، جذلين بربح الصّفقه.