للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يحتاج إلى ركض جواد، ولا يجتاح فيه خفض العيش جواد «١» ، ولا يهاجر متعاطيه إلى الهواجر، ولا يحجر على نفسه فى الإفضاء إلى المحاجر «٢» ؛ أربابه يرتاضون فى الروضة الغنّاء، ويسمعون من نغمات الأوتار وشدو الأطيار مختلف الألحان والغناء؛ ويمتطون الليل طرفا، ويستنيرون من النجوم شموعا لا تقطّ ولا تطفا؛ قد اتخذ كل منهم مقاما أكرم به من مقام، وهام باللذة فترك كرائم كراه وكذا عادة المستهام؛ وسبح فى لجج الليل وكرع فى نهر النهار، وتجلّى فى حلل الصدق وتخلى عن خلل العار.

يهوون لذّة القنص فى الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفّس، ويرسلون رسل المنايا إلى صرائعهم فما تتنفّس. إذا برزوا عند الغروب توارت شمس الأصيل حياء، وذهبت فى حلّتها الذهبيّة حين بهروها سنا وسناء؛ تراهم كالزّهر أو الأزهار، أو عقد نظم باللّجين والزّمرّد والنّضار؛ أوجههم فى أفلاك قسيّهم أقمار، كولدان جنان، وأعطاف أغصان؛ قد طاف بهم سياج المسرّة وأحدق، وحلّوا بثياب سندس خضر وإستبرق؛ كأنّ الأرض ضاهت بهم السماء، فصيّرت قسيّهم أفلاكها، وغررهم نجومها، وعزائمهم صواعقها وبنادقهم رجومها؛ يخفق منهم قلب كلّ خافقه، وتقدم بعوثهم على ذوات القوادم فبينا هى مترافقة إذا بها متفارقه، وكأن صوافّ الطير لديهم فى جوّ السماء، سطور فى صفيحة زرقاء؛ أو كأنها فى التئامها، عقود درّ فى نظامها؛ يفرطون سلكها، ويقرّبون هلكها، ويغدرون بها فى الغدر، ويجسرون عليها فى الجسور، وتقايض بنادقهم صرائعهم فيصير وكر الطير الجراوة وجراوة البنادق حواصل الطيور. وإذا أسفروا وجه صباح، سمعت للطير صياحا والطرب كلّه فى ذلك الصياح؛ وإن عشوا مقاماتهم وجه عشاء رأيت الطير وهى لدى محاريب