عليهم؛ فلما أرادوا السجود للأصنام نادى: أيها القوم، إنى قد جئتكم بالنصيحة من عند ربّكم أدعوكم إلى عبادته وطاعته، وأنهاكم عن عبادة هذه الأصنام (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) *
. فخرقت دعوته الأسماع، وهوت الأصنام عن كراسيّها، وسقط الملك عن سريره مغشيّا عليه، فلمّا أفاق قال: يا أولاد قابيل، ما هذا الصوت الّذى لم أسمع مثله؟ قالوا: أيّها الملك، هذا صوت رجل منّا اسمه نوح بن لمك كان يجانبنا قبل ذلك بجنونه، والآن قد اشتدّ عليه فقال ما قال. فغضب الملك واستدعاه، فأتوه به بعد أن ضربوه الضرب الشديد؛ فقال له: من أنت، فقد ذكرت آلهتنا بسوء؟ قال: أنا نوح بن لمك رسول ربّ العالمين، جئتكم بالنصيحة من عند ربّكم لتؤمنوا به وبرسوله، وتهجروا هذه الأصنام والقبائح. فقال درمشيل:
إنّك قد جئتنا بما لا نعرفه، ولا نعتقد أنك عاقل، فإن كان بك جنّة فنداويك أو فقر فنواسيك. قال: يا قوم، ما بى جنون ولا حاجة إلى ما فى أيديكم، ولكنّى أريد أن تقولوا: لا إله إلا الله وإنى نوح رسول الله. فغضب درمشيل وقال:
لولا أنه يوم عيد لقتلناك.
فأوّل من آمن به امرأة من قومه يقال لها:(عمرة) فتزوّجها فأولدها (ساما)(وحاما)(ويافث) وثلاث بنات؛ ثم آمنت به امرأة أخرى من قومه يقال لها:(والعة) فتزوّجها فأولدها كنعان؛ ثم نافقت وعادت إلى دينها.
وكان نوح يخرج فى كلّ يوم فى أندية لقومه يدعوهم إلى عبادة الله تعالى فيضربونه حتى يغشى عليه، ويجرّون برجله فيلقونه على المزابل، فاذا أفاق عاد إليهم بمثل ذلك، ويعاملونه بمثله؛ حتى أتى عليه ثلاثمائة سنة وهو على هذه الحال؛ ثم مات ملكهم درمشيل، وملك بعده ابنه بولين، وكان أعتى وأطغى من أبيه- وكان نوح يدعوهم فى القرن الرابع على عادته، فيضربونه ويشتمونه، وربما سفوا