عليه التراب ويقولون: إليك عنا يا ساحر يا كذّاب. ويضعون أصابعهم فى آذانهم؛ فينصرف عنهم ويعود إليهم، وإذا خلا بالرجل منهم دعاه، وهم لا يزدادون إلّا عتوّا وتمرّدا واستكبارا، وذلك قوله تعالى: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً
الآيات.
ثم دعاهم حتى استكمل ستّة قرون؛ فلمّا دخل القرن السابع مات ملكهم (بولين) واستخلف عليهم ابنه (طفردوس) - وكان على عتوّ أبيه- وكان نوح يأتى أصنامهم بالليل وينادى بأعلى صوته: يا قوم، قولوا (لا إله إلا الله، وإنى نوح رسول الله) .
فتنكّس الأصنام؛ وكانوا يضربون نوحا ضربا شديدا، ويدوسون بطنه حتى يخرج الدم من أنفه وأذنيه؛ وكان الرجل منهم عند وفاته يوصى أولاده ويأخذ عليهم العهد ألا يؤمنوا به؛ ويأتى الرجل بابنه إلى نوح ويقول: يا بنىّ انظر إلى هذا فإنّ أبى حملنى إليه وحذّرنى منه، فاحذره أن يزيلك عمّا أنت عليه فإنّه ساحر كذّاب. وهو بعد ذلك يدعوهم؛ فضجّت الأرض إلى ربّها وقالت: ما حلمك على هؤلاء؟
وضجّ كلّ شىء إلى ربّه من عتوّهم، ونوح يدعوهم ويذكّرهم بآيات الله؛ فلمّا كان فى بعض الأيّام إذا هو برجل من كبار قومه قد أقبل بولده يحذّره منه؛ فضرب الغلام بيده إلى كفّ تراب وضرب به وجه نوح، فعند ذلك قال نوح ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجرا كفّارا. فأمّنت الملائكة على دعوته، فمنع الله عنهم القطر والنبات؛ فعلم نوح أنّ الله مهلك قومه؛ فأحبّ أن يؤمن بعضهم إن لم يؤمنوا كلّهم؛ فأوحى الله تعالى