للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقسرا، حتى دان لهما جميع الناس، فلم يبق أحد من الناس فى زمانهما إلّا دخل فى طاعتهما، لا فى شرق الأرض ولا فى غربها؛ وإنهما لمّا صفا لهما ذلك وقرّ قرارهما مات شديد بن عاد، وبقى شدّاد، فملك وحده، ولم ينازعه أحد ودانت له الدنيا كلّها؛ فكان مولعا بقراءة الكتب القديمة، وكان كلّما مرّ فيها بذكر الجنة دعته نفسه لتعجيل تلك الصفة لنفسه الدنيّة عتوّا على الله وكفرا؛ فلما وقر ذلك فى نفسه أمر بصنعة تلك المدينة الّتى هى إرم ذات العماد، وأمر على صنعتها مائة قهرمان، مع كلّ واحد ألف من الأعوان. ثم قال: انطلقوا إلى أطيب فلاة من الأرض وأوسعها، واعملوا فيها مدينة من ذهب وفضّة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد، وعلى المدينة قصور، من فوق القصور غرف، ومن فوق الغرف غرف، واغرسوا تحت القصور غروسا فيها أصناف الثمار كلّها، وأجروا فيها الأنهار حتى تكون تحت تلك الأشجار جارية، فإنّى أسمع فى الكتب صفة الجنة، وإنى أحبّ أن أتخذ مثلها فى الدنيا، أتعجل سكناها. فقال له قهارمته:

كيف لنا بالقدرة على ما وصفت لنا من الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة نبنى منها مدينة كما وصفت لنا؟ فقال لهم شدّاد: ألستم تعلمون أن ملك الدنيا كلّها بيدى؟ فقالوا: بلى. قال: انطلقوا إلى كلّ موضع فيه معدن من معادن الزبرجد والياقوت والذهب والفضة، وكلّفوا من كلّ قوم رجلا يخرج لكم ما فى كلّ معدن من تلك الأرض؛ ثم انظروا إلى ما فى أيدى الناس من ذلك فخذوه، سوى ما يأتيكم به أصحاب المعادن، فإنّ معادن الدنيا فيها كثير من ذلك، وما فيها ممّا لا تعلمون أكثر وأعظم ممّا كلّفتكم من صنعة هذه المدينة.

قال: فخرجوا من عنده، وكتب معهم إلى كلّ ملك من ملوك الدنيا يأمره أن يجمع لهم ما فى بلده من الجواهر، ويحفر معادنها؛ فانطلق القهارمة، وبعث الكتب