للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان من قصّتهم يا أخا تميم أنهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر يقال لها:

ساب درحب «١» ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها: دوسات «٢» كانت أنبطت لنوح بعد الطوفان، وكان لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرّس من بلاد المشرق، ولم يكن يومئذ فى الأرض نهر أغزر ولا أعذب منه ولا قرى أكثر سكّانا وعمرانا منها؛ وذلك قبل سليمان بن داود، وكان من أعظم مدائنهم اسفيدبا «٣» ، وهى التى كان ينزلها ملكهم، وكان يسمّى بركون «٤» بن عابور بن بلوش بن سارب بن النّمروذ بن كنعان، وفيها العين والصّنوبرة، وقد غرسوا فى كلّ عين حبّة من تلك الصنوبرة، فنبتت الحبّة وصارت شجرة عظيمة، وحرّموا ماء تلك العيون والأنهار، لا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك منهم قتلوه ويقولون: هى مياه آلهتنا، ولا ينبغى لأحد أن ينقص من حياتها، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرسّ الّذى عليه قراهم؛ وقد جعلوا فى كلّ شهر من السنة فى كلّ قرية عيدا يجتمع أهلها ويضربون على تلك الشجرة مظلّة من الحرير، فيها من أصناف الصّور؛ ثم يأتون بشياه وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة، ويشعلون فيها النيران، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها وبخارها فى الهواء، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء، خرّوا سجّدا، ويتلون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم.

وكان الشيطان يجىء فيحرّك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبىّ: عبادى قد رضيت عنكم، فطيبوا نفسا، وقرّوا عينا. فيرفعون عند ذلك رءوسهم، ويشربون الخمر، ويضربون بالمعازف؛ فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم، ثم ينصرفون؛ حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى، اجتمع إليه صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصّنوبرة