للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت له رحمة: يا أيوب، ذهب المال والولد، وبدء الضرّ فى الجسد.

فقال لها: يا رحمة، إنّ الله ابتلى الأنبياء من قبل فصبروا، وإن الله وعد الصابرين خيرا؛ وخرّ ساجدا لله تعالى، وقال: إلهى لو جعلت ثوب البلاء سرمدا وحرمتنى العافية، ومزّقتنى كلّ ممزّق، ما ازددت إلّا شكرا؛ إلهى لا تشمت بى عدوّى إبليس.

ثم قال لرحمة: انقلينى إلى موضع غير مسجدى، فإنّى لا أحبّ أن يتلوّث المسجد.

فانطلقت إلى قوم كان أيوب يحسن إليهم؛ فالتمست منهم أن يعينوها على إخراجه من المسجد؛ فقالوا: إنه قد غضب عليه ربّه بما كان فيه من الرياء، فليت كان بيننا وبينه بعد المشرقين. فرجعت رحمة واحتملته إلى الموضع الّذى كان يضع فيه الموائد للناس بالفضاء.

ثم قال لها: يا رحمة، إن الصدقة لا تحلّ علينا، فآحتالى فى خدمة الناس. وبكى وبكت، فكانت تخدم أهل البلد فى سقى الماء وكنس البيوت وإخراج الكناسات الى المزابل، وتتكسّب من ذلك ما تنفقه على أيّوب؛ فأقبل إبليس فى صورة شيخ، فوقف على أهل القرية وقال: كيف تطيب نفوسكم بمخالطة امرأة تعالج من زوجها هذا القيح والصديد وتدخل بيوتكم، وتدخل يدها فى طعامكم وشرابكم؟! فوقع ذلك فى قلوبهم ومنعوها أن تدخل بيوتهم.

قال: واشتد بأيّوب البلاء، ونتن حتى لم يقدر أحد من أهل القرية أن يستقرّ فى بيته لشدّة رائحته؛ فاجتمعوا على أن يرسلوا عليه الكلاب لتأكله؛ فأرسلوها فعدت حتى قربت منه وولّت هاربة ولم ترجع إلى القرية.