ثم قال لرحمة: إنّ القوم قد كرهونى، فاحتالى فى نقلى عنهم.
فتوجّهت واتخذت له عريشا، واستعانت بمن يحمله؛ فأعانها الله بأربعة من الملائكة، فحملوه بأطراف النّطع إلى العريش، وعزّوه فى مصيبته ودعوا له بالعافية؛ واتخذت له رحمة فى العريش رمادا، فألقى نفسه عليه؛ ثم توجّهت فى طلب القوت، فردّها أهل القرية، وقالوا: إنّ أيّوب سخط عليه ربّه.
فعادت إليه باكية، وقالت: إنّ أهل القرية غلّقوا أبوابهم دونى. فقال:
إن الله لا يغلق بابه دوننا. فحملته إلى قرية أخرى، وصنعت له عريشا ودخلت القرية، فقرّبوها وأكرموها، وحملت فى ذلك اليوم عشرة أقراص من خمسة بيوت؛ ثم شمّ أهل القرية رائحة أيّوب بعد ذلك، فمنعوا رحمة أن تدخل إليهم، وقالوا: نحن نواسيك من طعامنا بشىء. فرضيت بذلك؛ فبينما هى تتردّد إلى أيّوب إذ عرض لها إبليس فى صورة طبيب وقال: إنى أقبلت من أرض فلسطين لما سمعت خبر زوجك، وقد جئت لأدويه، وأنا صائر إليه غدا فيجب أن تخبريه، وقولى له: يحتال فى عصفور أو طائر فيذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، ويأكله ويشرب عليه قدحا من خمر، ففرجه فى ذلك. فجاءت رحمة إلى أيّوب وأخبرته بذلك، فتبيّن الغضب على وجهه، وأخبرها أنه إبليس وحذّرها أن تعود لمثل ذلك؛ ثم أقبلت بعد ذلك إلى أيّوب بشىء من الطعام فعرض لها إبليس فى صورة رجل بهىّ على حمار، فقال: كأنى أعرفك، ألست رحمة امرأة أيّوب؟ قالت: بلى. قال: إنى أعرفكم وأنتم أهل غناء ويسار فما الّذى غيّر حالكم؟ فذكرت ما أصاب أيّوب من البلاء فى المال والولد والنفس قال: وفى أىّ شىء أصابتكم هذه المصائب؟ قالت: لأنّ الله أراد أن يعظم لنا الأجر على قدر بلائه.