وفى خمسين منها موعظة وحكمة؛ ولم يكن فيها حلال ولا حرام، ولا حدود ولا أحكام؛ وذلك قوله تعالى:(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «١» ) .
ومنها: الصوت الطيّب، والنغمة اللذيذة، والترجيع فى الألحان؛ ولم يعط الله تعالى أحدا من خلقه مثل صوته، فكان يقرأ الزّبور بسبعين لحنا بحيث يعرق المحموم ويفيق المغشىّ عليه.
وكان إذا قرأ الزبور برز إلى البرّيّة، فيقوم ويقرأ ويقوم معه علماء بنى إسرائيل خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، وتقوم الجنّ خلف الناس، وتقوم الشياطين خلف الجنّ، وتدنو الوحوش والسباع حتى تؤخذ بأعناقها، وتظلّه الطير مصيخة «٢» ، ويركد الماء الجارى ويسكن الريح.
قال الثعلبىّ: وما صنعت المزامير والبرابط «٣» والصّنوج إلّا على صوته، وذلك أنّ إبليس حسده واشتدّ عليه أمره، فقال لعفاريته: ترون ما دهاكم؟ فقالوا:
مرنا بما شئت. قال: فإنه لا يصرف الناس عن داود إلّا ما يضادّه ويحادّه «٤» فى مثل حاله. فهيّأ المزامير والأعواد والأوتار والملاهى على أجناس أصوات داود- عليه السلام- فسمعها سفهاء الناس فمالوا إليها واغترّوا بها.
ومنها: تسبيح الجبال والطير معه؛ قال الله تعالى:(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ «٥» )