غزو أوريّاء وتقدّمه فى الحرب وهلاكه. فلمّا بلغه قتله لم يجزع عليه ولم يتوجّع له كما [كان «١» ] يجزع على غيره من جنده إذا هلك، [ووافق قتله مراده، ثم تزوّج امرأته فعاتبه الله على ذلك؛ لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت «٢» ] فهى عظيمة عند الله تعالى.
وقال بعضهم: ذنب داود أن أوريّاء كان قد خطب تلك المرأة ووطّن نفسه عليها، فلما غاب فى غزاته خطبها داود، فتزوّجت منه لجلالته؛ فاغتمّ لذلك أوريّاء غمّا شديدا، فعاتبه الله تعالى على ذلك، حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها الأوّل، وقد كانت عنده تسع وتسعون امرأة.
قالوا: فلما علم داود أنه ابتلى سجد فمكث أربعين ليلة ساجدا باكيا حتى نبت الزرع من دموعه، وأكلت الأرض من جبينه، وهو يقول فى سجوده: ربّ داود زل داود زلّة أبعد مما بين المشرق والمغرب، ربّ إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا فى الخلوف من بعده. فجاء جبريل- عليه السلام- بعد أربعين ليلة فقال: يا داود، إن الله تعالى قد غفر لك الهمّ الذى هممت به.
فقال داود: عرفت أن الربّ قادر على أن يغفر لى، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا ربّ، دمى الذى عند داود؟
فقال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، ولئن شئت لأفعلنّ. قال نعم. فعرج جبريل- عليه السلام- وسجد داود فمكث ما شاء الله، ثم نزل جبريل فقال:
قد سألت يا داود ربّك عن الذى أرسلتنى فيه فقال: قل لداود: إن الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هب لى دمك الذى عند داود؛ فيقول: هو لك يا ربّ، فيقول: فإن لك فى الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضا.