للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الثعلبىّ ورفعه إلى وهب بن منبّه قال: إن داود- عليه السلام- لما تاب الله تعالى عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا ترقا له دمعة ليلا ولا نهارا، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام، فجعل يوما للقضاء بين بنى إسرائيل، ويوما لنسائه، ويوما يسيح فى الفيافى والجبال والساحل، ويوما يخلو فى دار له فيها أربعة آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرّهبان، فينوح معهم على نفسه، ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته يخرج فى الفيافى، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكى وتبكى معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار؛ ثم يجىء إلى الساحل فيبكى وتبكى معه الحيتان ودوّاب البحر والسباع وطير الماء، فإذا أمسى رجع، فإذا كان يوم نوحه نادى مناد: إن اليوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التى فيها المحاريب، فتبسط له فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها، ويجىء الرّهبان وهم أربعة آلاف، عليهم البرانس وفى أيديهم العصىّ، فيجلسون فى تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالنّوح والبكاء، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، فلا يزال يبكى حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود مثل الفرخ يضطرب، فيجىء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيّه، ثم يمسح بها وجهه ويقول: يا رب اغفر ما ترى. قال: فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله.

وقال ثابت: ما شرب داود شرابا بعد المغفرة إلّا ونصفه ممزوج بدموع عينيه.

وعن الأوزاعىّ قال: بلغنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال:

«خدت الدموع فى وجه داود- عليه السلام- خديد الماء فى الأرض» .