للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشراب، وركب ومرّ فى البحر يتصيّد ويتلذذ لا يعرف شيئا غير ذلك، حتى سار مسيرة شهر، فأرسل الله تعالى على سفينته ريحا عاصفا خفيفة ساقتها حتى وصلت بها الى جبل العنقاء الذى فيه الجارية، وذلك مسيرة خمسين سنة فى خمسين ليلة، ثم ركدت سفينته بإذن الله تعالى، وأصبح الغلام فرأى سفينته راكدة، فأخرج رأسه من السفينة، فرأى الجبل وهو فى لون الزعفران [صفرة «١» ] ، وطوله لا يدرى أين منتهاه ولا عرضه، ورأى الشجرة فإذا هى كثيرة الأغصان والورق، ورقها عرض آذان الفيلة ليس لها ثمر، بيضاء الساق، فقال: إنى أرى عجبا، أرى جبلا شاهقا لم أر مثله، وأرى شجرة حسنة قد أعجبنى منظرها.

فحرّك سفينته نحو الجبل، فسمعت الجارية التى فى عشّ العنقاء صوت الماء وكلام الناس، ولم تكن سمعت قبل ذلك شيئا من ذلك؛ فأخرجت رأسها من العشّ، فتطلّعت فرأى الملك صورتها فى الماء، ورأى عجبا من جمالها وكثرة شعرها وذوائبها؛ فرفع رأسه إلى الشجرة فرأى الجارية، فأبصر أمرا عظيما فأخذه القلق، فناداها: من أنت؟ فأفهمها الله تعالى لغته وقالت: لا أدرى ما تقول ولا من أنت إلا أنى أراك يشبه وجهك وجهى وكلامك كلامى، وإنى لا أعرف شيئا غير العنقاء، وهى أمى التى ربّتنى وتسمينى بنتها. فقال لها الغلام: وأين العنقاء أمك؟ قالت: فى نوبتها. قال: وما نوبتها؟

قالت: تغدو كل يوم إلى ملكها سليمان فتسلّم عليه وتقيم عنده إلى الليل، ثم تروح وتجيئنى وتحدّثنى بما فعل سليمان وبما حكم وقضى، وإنه لملك عظيم، على ما تصف أمى العنقاء، وإنها تخبرنى أنه يشبهنى إلا أنها تخبر أنه أحسن وجها وأتمّ منى.