للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فآنذعر الغلام وفزع، ثم قال: قد عرفته، هو الذى قتل أبى وسبى ذرّيته، وإنى لمن طلقائه وممن يؤدّى إليه الخراج، ورسله الطير والرياح، ثم بكى الغلام. فقالت الجارية: وما يبكيك؟ قال: أبكى على وحدتك فى مثل هذا الموضع الذى ليس به أنيس ولا أحد، وإن مثلك فى الدنيا عدد الشجر والمدر، وكلهم فى مقاصير الذهب والفضة والعيش الهنئ والّلذة الحسنة مع الأزواج يتعانقون ويتنّعمون، ويتوالدون أولادا مثل خلقتك وخلقتى، أرأيت إن هاجت الريح وأزعجتك من وكرك من يمسكك أن تقعى فى البحر؛ فإن وقعت فى البحر فمن ذا الذى يخرجك.

قال: ففزعت من قوله وقالت: وكيف لى أن يكون معى إنسىّ مثلك يحدّثنى مثل حديثك، ويحفظنى من خوف ما ذكرت. فقال لها الغلام: أولا تعلمين أن الله الذى اتخذ سليمان نبيّا وسخّر له الطير والرياح هو الذى رحمك وساقنى إليك إلفا وصاحبا وأنيسا، وأنى من أبناء الملوك. قالت الجارية: وكيف تصير إلىّ وأصير إليك، وهذه العنقاء تنام وتحضننى إلى صدرها بين جناحيها؟ قال الغلام: تكثرين جزعك ووحشتك وبكاءك على العنقاء ليلتك هذه إذا انصرفت إليك، فإذا قالت لك: ما تخشين وما شأنك، فأخبريها بحديثك، ثم انظرى إلى ما يكون ردّها عليك فتخبرينى به. فراحت العنقاء فوجدتها حزينة كئيبة. فقالت لها: يا بنيّة، ما شأنك؟

قالت: الوحدة والوحشة، وإنى لجزعة على نفسى لذلك. فقالت لها: يا بنيّة لا تخافى ولا تحزنى، فإنى أستأذن سليمان أن آتيه يوما وأتخلّف عنه يوما. فلمّا أصبحت أخبرت الغلام بجوابها. فقال لها: لا تريدى هذا، ولكن سأنحر من دوابّى هذه فرسا وأبقر بطنه وأخرج ما فى جوفه وأقيّره وأطيّنه وأدخل أنا فى جوفه، وألقيه على قرقور «١» سفينتى هذه، فإذا جاءتك العنقاء فقولى لها: إنى