وأمرهم بنحت تلك الحجارة وتنضيدها ألواحا، وإصلاح تلك الجواهر وتثقيبها؛ فكانوا يعالجونها فتصوّت صوتا شديدا لصلابتها. فكره سليمان تلك الأصوات، فدعا الجنّ فقال لهم: هل لكم حيلة فى نحت هذه الجواهر من غير تصويت؟
فقالوا: يا نبىّ الله، ليس فى الجنّ أكثر تجارب ولا أكثر علما من صخر. فاستدعاه.
وكان من أمره فى حضوره إليه والتلطف فى تحصيل حجر السامور ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى أخبار صخر.
قالوا: فلمّا أتى بحجر السامور، وهو حجر الماس، استعمله فى أدوات الصّنّاع.
فسهّل عليهم نحت الحجارة.
قالوا: فبنى سليمان المسجد بالرّخام الأبيض والأصفر والأخضر، وعمّده بأساطين المها الصافى، وفصّصه بألواح الجواهر الثمينة، وفصص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج، فلم يكن يومئذ بيت فى الأرض أبهى ولا أنور من ذلك المسجد؛ وكان يضىء فى الظلمة كالقمر ليلة البدر.
قالوا: فلما فرغ من بنائه جمع أحبار بنى إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله تعالى، وأنّ كلّ شىء فيه خالص لله تعالى. واتخذ ذلك اليوم عيدا، فلم يتخذ فى الأرض قطّ أعظم منه ولا من الأطعمة التى عملت فيه. قيل: إنه ذبح من الخراف خمسين ألفا، ومن البقر خمسة وعشرين ألفا معلوفة، ومن الغنم أربعمائة ألف شاة.
قالوا: ومن أعاجيب ما اتّخذ سليمان ببيت المقدس أنه بنى بيتا وطيّن حيطانه بالخضرة وصقله؛ فكان إذا دخله الورع البارّ استبان خياله فى ذلك الحائط أبيض؛