وتأمل حكيم شيبه فقال: مرحبا بزهرة الحنكة ويمن الهدى ومقدّمة العفّة ولباس التقوى.
وقيل: دخل أبو دلف على المأمون وعنده جارية له، وكان أبو دلف قد ترك الخضاب، فأشار المأمون إلى الجارية فقالت له: شبت يا أبا دلف، إنا لله وإنا اليه راجعون. فسكت عنها أبو دلف، فقال له المأمون: أجبها، فقال:
تهزّأت إذ رأت شيبى فقلت لها: ... لا تهزئى من يطل عمر به يشب!
شيب الرجال لهم زين ومكرمة، ... وشيبكن لكنّ الويل فاكتئبى!
فينا لكنّ- وإن شيب بدا- أرب، ... وليس فيكنّ بعد الشّيب من أرب!
وقال آخر:
أهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا، ... أهلا به من وافد ونزيل!
أهدى الوقار وذاد كلّ جهالة ... كانت، وساق إلى كلّ جميل.
فصحبت في أهل التقى أهل النهى ... ولقيت بالتعظيم والتبجيل.
ورأى لى الشّبّان فضل جلالة ... لما اكتهلت، وكنت غير جليل.
فإذا رأونى مقبلا، نهضوا معا: ... فعل المقرّ لهيبة التفضيل.
إن قلت، كنت مصدّقا في منطقى، ... ماضى المقالة حاضر التعديل.
وقال مسلم بن الوليد:
الشّيب كره، وكره أن يفارقنى ... اعجب لشىء على البغضاء مودود.
وقال علىّ بن محمد الكوفىّ:
بكى للشّيب، ثم بكى عليه ... وكان أعزّ من فقد الشّباب.
فقل للشّيب: لا تبرح حميدا ... إذا نادى شبابك بالذّهاب.