إن قمنا إليك لنوجعنّك ضربا إن لم ترح «١» عنّا. قال: يا قوم، فأنا والله سليمان.
فضربه رجل منهم على رأسه وقال: أتكذب على نبىّ الله! فبكى حتى بكت الملائكة لبكائه ورحمه أولئك القوم وناولوه سمكة وأعطوه سكّينا، فشقّ بطنها ليصلحها ويشويها ويأكلها، فخرج الخاتم من بطنها فغسله وجعله فى إصبعه، وعاد إليه حسنه وجماله، فوضع السمكة وسار يريد قصره، فجعل يمرّ بتلك القرى، فكلّ من كان قد أنكره عرفه وسجد له. فبلغ ذلك صخرا الجنّىّ فهرب. وعاد سليمان الىّ قصره واجتمع له الإنس والجنّ والشياطين والسباع والهوامّ كما كانوا أوّل مرّة. فبعث العفاريت فى طلب صخر فأتوه به، فأمر أن ينقروا له صخرتين وصفّده بالحديد وجعله بينهما وأطبقهما عليه وختم عليه بخاتمه وطرحه فى بحيرة طبريّة. فيقال: إنه فيها إلى يوم القيامة. ثم أمر الله الرياح أن تحشر له سائر الشياطين فحشرت له، فصفّد مردتهم بالحديد وحبسهم. هذا ما أورده الكسائىّ فى قصّة الفتنة، وهو أولى ما أورده وأشبه ما نقل.
وحكى الثعلبىّ رحمه الله فى خبر الفتنة قال قال محمد بن إسحاق قال بعض العلماء عن وهب بن منبّه قال: سمع سليمان عليه السلام أنّ فى جزيرة من جزائر البحر رجلا يقال له «صيدون» ملك عظيم الشأن لم يكن لأحد من الناس عليه سبيل لمكانه فى البحر. وقال غيره: إن هذه الجزيرة مسيرة شهر فى مثله، وفيها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار، وفى وسطها مجلس على عمد من مرمر ملوّن، والمجلس من ذهب مفصل بأنواع الجواهر يشرف على جميع الجزيرة. وقيل:
إنه كان ساحرا، فكانت الجنّ تطيف به وتعمل له العجائب، فدلّ سليمان عليها فغزاه.