نرجع إلى سياق الثعلبىّ قال: فخرج سليمان إلى الجزيرة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والإنس، فقتل ملكها وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنت الملك واسمها «جرادة» لم ير الناس مثلها حسنا وجمالا، فاصطفاها سليمان لنفسه، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلّة ثقة، وأحبّها سليمان حبّا لم يحبّه شيئا من نسائه، وكانت منزلتها عنده منزلة عظيمة، وكان لا يذهب حزنها ولا ترقأ «١» دمعتها على أبيها. فشقّ ذلك على سليمان وقال لها: ويحك! ما هذا الحزن الذى لا يذهب، والدمع الذى لا يرقأ!. قالت: إنى أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزننى ذلك. قال سليمان: فقد بدّلك الله ملكا أعظم من ملكه، وسلطانا أعظم من سلطانه، وهداك إلى الإسلام وهو خير من ذلك كلّه. قالت: إنّ ذلك كذلك، ولكن إذا ذكرته أصابنى ما ترى من الحزن. ولو أنك أمرت الشياطين فصوّروا لى صورته فى دارى أراها بكرة وعشيّة لرجوت أن يذهب ذلك، وأن يسكن عنّى بعض ما أجد فى نفسى. فأمر سليمان الشياطين أن يمثّلوا صورة أبيها فى دارها حتى لا تنكر منه شيئا، فمثّلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه.
فعمدت إليه حين صنعوه فأزّرته وقمّصته وعمّمته بمثل ثيابه التى كان يلبس.
ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو على ذلك التمثال هى وولائدها فيسجدن له كما كانت تصنع ذلك فى ملكه، وتفعل ذلك بكرة وعشيّة وسليمان لا يعلم بشىء من ذلك أربعين يوما. وبلغ ذلك آصف بن برخيا، وكان صدّيقا، وكان لا يردّ من باب سليمان متى أراد دخوله من ليل أو نهار، فأتاه فقال: يا نبىّ الله، كبرت سنّى، ودقّ عظمى، ونفد عمرى، وقد حان منّى الذهاب، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثنى عليهم بعلمى، وأعلّم الناس