أن تبعث إلى يحيى بن زكريّا فتؤتى برأسه فى طست. فقال: ويحك! سلينى غير هذا. قالت: ما أريد إلّا هذا. فلمّا أبت عليه بعث إليه فأتى برأسه، والرأس يتكلّم حتى وضع بين يديه وهو يقول: لا يحلّ لك. فلمّا أصبح إذا دمه يغلى، فأمر بتراب فألقى عليه، فرقى الدم فوق التراب يغلى، فألقى عليه أيضا فارتفع الدم فوقه، فلم يزل يلقى عليه من التراب حتى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى. فبلغ صيحون ملك بابل ذلك فنادى فى الناس، وأراد أنّ يبعث إليهم جيشا [ويؤمّر عليهم رجلا «١» ] .
فأتاه بختنصّر فكلّمه وقال: إنّ الذى كنت أرسلت تلك المرّة ضعيف، وإنّى قد دخلت المدينة وسمعت كلام أهليها [فابعثنى «٢» ] فبعثه. فسار بختنصّر، حتى إذا بلغوا ذلك المكان تحصّنوا منه فى مدائنهم فلم يطقهم. فلمّا اشتدّ عليه المقام وجاع أصحابه وأرادوا الرجوع خرجت امرأة عجوز من عجائز بنى إسرائيل فقالت: أين أمير الجند؟
فأتى بها إليه. فقالت: إنه بلغنى أنك تريد أن ترجع بجندك قبل أن تفتح هذه المدينة. قال: نعم، قد طال مقامى وجاع أصحابى، فلست أستطيع المقام فوق الذى كان منّى. فقالت: أرأيتك إن فتحت لك المدينة أتعطينى ما أسألك، فتقتل من أمرتك بقتله، وتكفّ إذا أمرتك أن تكفّ؟ فقال لها نعم. قالت:
إذا أصبحت فاقسم جندك أربعة أرباع، ثم اجعل فى كل زاوية ربعا، ثم ارفعوا أيديكم إلى السماء فنادوا: إنّا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكريّا، فإنها سوف تسّاقط، ففعلوا؛ فتساقطت المدينة فدخلوا من جوانبها. فقالت: كفّ يدك واقتل على هذا الدم حتى يسكن، وانطلقت به الى دم يحيى بن زكريّا، وهو على تراب كثير، فقتل عليه حتى سكن، فقتل سبعين ألفا. فلمّا سكن الدم قالت له: كفّ يدك فإنّ الله تعالى إذا قتل نبىّ لم يرض حتى يقتل من قتله ومن رضى قتله. وأتاه