وكان يسمّى يتيم بنى إسرائيل، حتى أتت عليه سبع سنين، فأقبل على أمه فقال:
يا أمّاه، لا ينبغى أن تذهب أيّامى بالبطالة، وأريد أن تلبسينى ثوبا من الصوف حتى ألحق بالعبّاد وأكون معهم. فقالت: يا بنىّ، أنت صغير ولم يأن لك أن تسيح.
فلم يزل بأمّه حتى أجابته إلى ذلك ولحق بالعبّاد واشتهر ذكره فيهم بكثرة العبادة حتى استكمل من العمر خمسا وعشرين سنة، فرأى فى منامه: إنّ الله يأمرك أن تمضى الى مدينة الرّملة «١» فإنّ فيها وليّا من أوليائى وله ابنة عفيفة فتزوّجها منه. فلمّا أصبح عزم على المسير، وصحبه جماعة من بنى إسرائيل من أصحابه، وسار حتى دخل مدينة الرّملة، وسأل عنه فقيل: إنه فى السّوق يبيع ويشترى. فعجب يونس من ذلك وجاء الى السّوق فرآه وهو يبيع الطّيب ويكثر الضّحك. فقال يونس: ليس هذا من صفات الأولياء والعبّاد. فنظر إليه زكريّا «٢» وقام إليه وصافحه وسلّم عليه باسمه واسم أبيه. قال: وكيف عرفتنى؟ قال: رأيتك فى المنام وأمرت أن أزوّج ابنتى منك. وتوجّه به إلى منزله وقدّم له الطعام فأكلا، وذكر له رؤياه وأنها سبب مسيره الى الرملة، ثم سأله عن مكسبه بالبيع والشراء فقال: أمّا البيع والشراء فمباح، والتاجر فاجر إلّا من أخذ الحقّ وأعطاه، واتقى الله ولم يمدح سلعته.
فلمّا أقبل الليل نزع زكريّا ما كان عليه من الثياب ولبس الصوف ودخل محرابه ولم يزل فى صلاته ودعائه وتضرّعه حتى أصبح، فنزع الصوف ولبس ما كان عليه بالأمس وبرز إلى السوق ويونس معه، فكان ذلك دأبه.
ثم زوّج ابنته من يونس ووهب لها بعض ماله. وأقام يونس عنده، ورزق الله يونس من زوجته ولدين ومات زكريّا، فاحتمل يونس زوجته إلى بيت