الله ظبية فوقفت بين يدى يونس وكلّمته بإذن الله، فمصّ من لبنها فقوى عند شربه؛ ثم بشّرته بإيمان قومه وأخبرته بما كان من أمرهم وسبب إيمانهم وذكرت اشتياقهم إلى رؤيته. وكانت الظبية ترعى حول يونس فإذا جاع أو عطش أرضعته، فلم يزل كذلك أربعين يوما. فنام فى بعض الأيام ثم انتبه فرأى اليقطينة قد جفّت والظبية قد غابت، فاغتمّ لذلك، فعلم يونس أن الله ضرب له مثلا بقومه، ثم هبط عليه ملك وقال: قم إلى قومك فإنهم يتمنّون رؤيتك، وأتاه بحلّتين فأتزر بواحدة وارتدى بالأخرى، ثم سار حتى دخل قرية كثيرة الأشجار والخيرات وأهلها يقطعون تلك الأشجار ويلقون ثمارها فى الأرض، فقال: يا قوم، كيف تفعلون ذلك وتبطلون على أنفسكم ثمارها! فأوحى الله تعالى إليه: يا يونس، إنك أشفقت على قوم لا تعرفهم من قطعهم الأشجار ولم تشفق على قومك وهم مائة ألف أو يزيدون! فعلم يونس أنّ هذا مثل ضربه الله تعالى له، فقال: إلهى لا أعود إلى ذلك أبدا. ثم سار حتى دخل قرية أخرى وقت الماء، فتلّفاه رجل من أهل القرية وسأله أن ينزل عليه فنزل. فلمّا أكل وشرب نظر إلى بيت الرجل وفيه فخّار كثير يريد أن يوقد عليه.
فأوحى الله تعالى إليه: يا يونس، قل لهذا الفاخرانىّ أن يكسر الفخّار الذى قد عمله.
فقال يونس ذلك للفاخرانىّ، فقال: يا هذا أضفتك لما رأيت فيك من أثر الخير وإذا أنت رجل مجنون، تأمرنى أن أكسّر فخّارا قد أتعبت فيه نفسى لأنتفع بثمنه! قم الآن فاخرج من عندى، وأخرجه. فأوحى الله تعالى إليه: يا يونس، إنه أشفق على فخاره وسمّاك مجنونا وأخرجك من منزله حين أمرته بكسره، وأنت بعثت إلى مائة ألف أو يزيدون فدعوت عليهم ولم تفكّر فى هلاكهم فترحمهم!. قال: إلهى لا أعود إلى ذلك أبدا. فلمّا أصبح سار فإذا هو برجل يزرع زرعا، فقال له الرجل:
ادع الله عز وجل حتى يبارك لى فى زرعى، فدعا له فأنبته الله تعالى من ساعته