فنملك ملكه ونرجو الحياة إلى أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. فقال بلوقيا:
أليس قد سأل سليمان ربه:«ربّ هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى» فأعطاه الله إيّاه على ما سأل، ولا ينال ملك سليمان إلى يوم القيامة لدعائه. فقال عفّان:
يا بلوقيا اسكت إنّ الله معنا ومعنا اسم الله الأعظم، ولكن أنت يا بلوقيا فاقرأ التوراة. فتقدّم عفّان لينزع خاتم سليمان من إصبعه، فقال التّنين: ما أجرأك على الله! إن غلبتنا باسم الله فنحن نغلبك بقوّة الله. قال: فكلّما نفخ التنّين ذكر بلوقيا اسم الله، فلم تعمل نفخات التّنين فيهما. ودنا عفّان من السرير لينزع الخاتم من إصبع سليمان، فاشتغل بلوقيا بالنظر إلى نزول جبريل من السماء، فلمّا نزل صاح بهما صيحة ارتجّت الأرض والجبال وتزلزت منها واختلطت مياه البحار وماجت والتطمت حتى صار كلّ عذب ملحا من شدّة صيحته، وسقط عفان على وجهه، ونفخ التنّين فخرجت من بطنه شعلة نار كأنها البرق الخاطف، فاحترق عفّان وعادت نفخته فى البحر فما مرت البرقة بشىء إلّا أحرقته ولا بماء إلا أجاشته وأغلته. وذكر بلوقيا اسم الله الأعظم فلم ينله مكروه، ثم تراءى له جبريل فى صورة رجل فقال له: يابن آدم ما أجرأك على الله تعالى! فقال له بلوقيا: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا جبريل أمين ربّ العالمين. قال له يا جبريل، إنما خرجت حبّا لمحمد ودينه ولم أقصد الخطأ ولم أتعمّده. قال: فبذلك نجوت. ثم صعد جبريل إلى السماء، ومضى بلوقيا فطلى قدميه بذلك الدّهن فأضلّ الطريق الذى جاء منه وأخذ فى طريق آخر، وسار فقطع ستّة أبحر ووقع فى السابع فإذا هو بجزيرة من ذهب حشيشها الورس «١» والزعفران وأشجارها النخل والرّمان. قال بلوقيا: ما أشبه هذا المكان بالجنّة على ما وصفت!.
ثم دنا من بعض تلك الأشجار فتناول من ثمرها، فقالت الشجرة: يا خاطئ ابن الخاطئ