وليلة فإذا هو بآخر يمرّ على الماء ضوءه كضوء النجوم. فقال له بلوقيا: يا فتى، من أنت؟ قال: سل الذى خلفى. فسار بلوقيا يوما وليلة، فإذا هو بشابّ كأنه القمر يلوح فى آخر الشمس «١» ، فقال بلوقيا: أنشدك الله إلّا وقفت. قال: فوقف وقال:
لماذا استحلفتنى؟ قال: خشيت أن تفوتنى مثل أصحابك الماضين، فمن كان الأوّل؟ قال: إسرافيل صاحب الصّور، والثانى ميكائيل صاحب المطر، والثالث جبرائيل أمين ربّ العالمين. فقال بلوقيا: ماذا تصنعون فى اليمّ؟ قال جبريل:
حيّة من حيّات البحر قد آذت سكّانه، فدعوا الله عليها فاستجاب الله دعاءهم وأمرنا أن نسوقها الى جهنّم ليعذّب الله بها الكفّار يوم القيامة. قال بلوقيا: كم طولها وكم عرضها؟ قال: طولها مسيرة ثلاثين سنة، وعرضها مسيرة عشرين سنة.
فقال بلوقيا: يا جبريل، أيكون فى جهنّم مثل هذه أو أكبر منها؟ فقال جبريل:
إنّ فى جهنّم من الحيّات ما تدخل هذه فى أنف إحداهنّ ولا تشعر بها من عظم خلقتها. فسلم بلوقيا عليه ومضى الى جزيرة أخرى، وإذا هو بغلام أمرد بين قبرين، فسلم عليه بلوقيا وقال: يا شابّ، من أنت وما اسمك؟ قال: اسمى صالح.
قال: فما هذان القبران؟ قال: أحدهما أبى والآخر أمّى، كانا سائحين فماتا هاهنا، وأنا عند قبريهما حتى أموت. فسلم بلوقيا ومضى حتى انتهى الى جزيرة، فإذا هو بشجرة عظيمة عليها طائر رأسه من ذهب، وعيناه من ياقوت، ومنقاره من لؤلؤ، وبدنه من زعفران، وقوائمه من زمرد، واذا مائدة موضوعة تحت الشجرة وعليها طعام وحوت مشوىّ. فسلم عليه بلوقيا فردّ عليه الطائر السلام. فقال بلوقيا: أيها الطائر من أنت؟ قال: أنا من طيور الجنّة، وأنّ الله تعالى بعثنى الى آدم بهذه المائدة لمّا هبط من الجنة وكنت معه حتى لقى حوّاء، وأنا هاهنا من ذلك