ثم نفخ فى جيبها فوصلت النفخة الى جوفها فحملت بعيسى لوقتها. ويقال: إنّ زكريّا فى ذلك الوقت أفضى إلى امرأته فحملت بيحيى.
وقيل: إنّ امرأة زكريّا حملت قبل مريم بثلاثة أشهر، وقيل ستة أشهر. وكانت مريم إذ ذاك بنت خمس عشرة سنة، وقيل ثلاث عشرة سنة.
وحكى الثعلبىّ فى قصة حمل مريم أنه كان معها فى المسجد ابن عمّ لها من المحرّرين يقال له يوسف بن يعقوب النجّار، وكان رجلا حكيما نجّارا، يتصدّق بعمل يديه، وكان يوسف ومريم اذا نفد ماؤهما أخذ كل واحد منهما قلّته وانطلق إلى المغارة التى فيها الماء يستقيان منه ثم يرجعان إلى الكنيسة. فلمّا كان اليوم الذى لقيها فيه جبريل، وكان أطول يوم فى السنة وأشدّ حرّا، نفد ماؤها، فقالت:
يا يوسف، ألا تذهب بنا نستقى؟ فقال لها: إنّ عندى لفضلا من ماء أكتفى به فى يومى هذا إلى غد. قالت: لكنى والله ما عندى ماء، فأخذت قلّتها ثم انطلقت وحدها حتى دخلت المغارة، فوجدت عندها جبريل عليه السلام، قد مثّله الله عز وجل بشرا سويّا؛ فقال لها: يا مريم، إنّ الله قد بعثنى اليك لأهب لك غلاما زكيّا.
قالت: إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا. قال عكرمة: وكان جبريل قد عرض لها فى صورة شابّ أمرد وضىء الوجه، جعد الشعر، سوىّ الخلق. قال الحكماء: وإنما أرسله الله تعالى فى صورة البشر لتثبت مريم عليها السلام وتقدر على استماع كلامه، ولو أتاها على صورته التى هو عليها لفزعت ونفرت عنه، ولم تقدر على استماع كلامه. فلمّا استعاذت مريم منه قال: إِنَّما أَنَا رَسُولُ