الآية. فلما قال ذلك استسلمت لقضاء الله تعالى. فنفخ جبريل فى جيب درعها، وكانت قد وضعته، ثم انصرف عنها. فلما لبست مريم درعها حملت بعيسى عليه السلام، ثم ملأت قلّتها وانصرفت الى المسجد. وقال السّدّىّ وعكرمة:
إنّ مريم عليها السلام كانت تكون فى المسجد ما دامت طاهرة فإذا حاضت تحوّلت الى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد. فبينما هى تغتسل من الحيض وقد أخذت مكانا شرقيّا- قال الحسن: إنما اتخذت النصارى الشرق قبلة لأن مريم انتبذت مكانا شرقيّا- فاتخذت، فضربت من دونهم حجابا، أى سترا.
وقال مقاتل: جعلت الجبل بينها وبين قومها، فبينما هى كذلك اذ عرض لها جبريل وبشّرها ونفخ فى جيب درعها.
قالوا: فلما اشتملت على عيسى وتبيّن حملها داخلها الغمّ وعلمت أنّ بنى إسرائيل سوف يقذفونها، فنادتها الملائكة: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ
أى من الحيض وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ* يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
. قال: وبشّرها الله تعالى بعيسى فقال: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ «١»
الآية فطابت نفسها. قال وهب: فلمّا اشتملت على عيسى وكان معها يوسف النجار، وكانا منطلقين الى المسجد الذى بجبل صهيون- وجبل صهيون على باب بيت المقدس- وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، وكانت مريم ويوسف يخدمان ذلك المسجد، وكان لخدمته فضل عظيم، فكانا يليان معالجته بأنفسهما وتطهيره، وكان لا يعلم أحد من أهل زمانها أشدّ اجتهادا وعبادة