منهما. فكان أوّل من أنكر حمل مريم يوسف النجّار. فلما رأى ما بها استعظمه وقطع به ولم يدر على ماذا يضع أمرها. فكان إذا أراد أن يتّهمها ذكر صلاحها وعبادتها وبراءتها وأنها لم تغب عنه، وإذا أراد أن يبرّئها رأى الذى ظهر بها من الحمل. فلما اشتدّ ذلك عليه كلّمها، فكان أوّل ما كلّمها به أن قال لها: إنه قد وقع فى نفسى منك ومن أمرك شىء، وقد حرصت على أن أكتمه فغلبنى ذلك ورأيت أنّ الكلام فيه أشفى لصدرى. فقالت: قل قولا جميلا. قال: خبّرينى يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت نعم. قال: فهل تنبت شجرة بغير غيث يصيبها؟ قالت نعم. قال: فهل يكون ولد من غير فحل؟ قالت: ألم تعلم أنّ الله عز وجل أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذار إنما تكون من الزرع الذى كان أنبته من غير بذر!. ألم تعلم أن الله عز وجل أنبت الشجر من غير غيث، وبالقدر جعل الغيث حياة الشجر بعد ما خلق كل واحدة على حدة!. أو تقول إن الله لا يقدر على إنباته!. قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكنى أعلم أن الله تبارك وتعالى يقدر على ما يشاء، يقول لذلك: كن فيكون. فقالت له مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته حوّاء من غير ذكر ولا أنثى!. قال بلى.
فلمّا قالت له ذلك وقع فى نفسه أن الذى بها شىء من أمر الله، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها. وقال الكسائىّ: لما قال يوسف لمريم:
هل يكون ولد من غير فحل؟ قالت: نعم، آدم من غير أب وأمّ. قال صدقت.
ثم قال: هذا الولد الذى فى بطنك من أبوه؟ قالت: هذا هبة ربّى لى، ومثله كمثل آدم خلقه من تراب. فنطق عيسى فى بطنها وقال: يا يوسف ما هذه الأمثال التى تضربها! قم فاشتغل بصلاتك واستغفر لذنبك مما قد وقع فى قلبك. فقام يوسف وجاء الى زكريّا وأخبره، فاغتمّ وقال لامرأته: إنّ مريم حامل، وأخاف من فسّاق