ما أخوفنى عليكم أن تعذّبوا! يا سمكة عودى كما كنت بإذن الله تعالى. فعادت السمكة مشويّة كما كانت. فقالوا: يا روح الله، كن أوّل من يأكل منها ثم نأكل نحن.
فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها، ولكن يأكل منها من سألها، فخافوا أن يأكلوا منها. فدعا عيسى عليه السلام أهل الزّمانة والمرض وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين فقال: كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء. وفى رواية: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واذكروا اسم الله. فأكلوا وصدروا عنها وهم ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير وزمن ومريض ومبتلى كلهم شبعان يتجشّأ «١» ، ثم نظر عيسى عليه السلام الى السمكة فاذا هى كهيئتها حين نزلت من السماء. ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت عنهم. فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صحّ، ولا مريض إلا برأ، ولا مبتلى إلّا عوفى، ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيّا حتى مات؛ وندم الحواريّون ومن لم يأكل منها إذ لم يأكلوا منها. وكانت اذا نزلت اجتمع الفقراء والأغنياء والصغار والكبار والرجال والنساء فيزدحمون عليها.
فلمّا رأى عيسى ذلك جعلها نوبة بينهم، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى اذا فاء الفىء طارت صعدا وهم ينظرون الى ظلها حتى تتوارى عنهم. وكانت تنزل غبّا، تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة صالح. وأوحى الله عز وجل الى عيسى أن اجعل مائدتى ورزقى للفقراء دون الأغنياء، فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكّوا وشكّكوا الناس فيها وقالوا: أترون المائدة حقّا نزلت من السماء! فقال عيسى: هلكتم تجهزّوا لعذاب الله. فأوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام: إنى شرطت على المكذّبين شرطا أنّ من كفر بعد نزولها عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين. فقال عيسى: «إن تعذّبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم