للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها رأسه حتى سال دماغه، فحفظه الله من الألم والهلاك. فلمّا رأى ذلك لم يقتله أمر بحوض من نحاس وأوقد عليه حتى إذا جعله نارا أمر به فأدخل فى جوفه وأطبق عليه فلم يزل فيه حتى برد [حرّه «١» ] . فلمّا رأى أنّ ذلك لم يقتله دعا به فقال:

يا جرجيس، أما تجد ألم هذا العذاب الذى تعذّب به؟ فقال: إنّ ربّى الذى أخبرتك به حمل عنّى [ألم العذاب «٢» ] وصبّرنى لأحتجّ عليك. فلمّا قال له ذلك أيقن الملك بالشرّ وخافه على نفسه وملكه، واجتمع رأيه أن يخلّده فى السجن. فقال له الملأ من قومه: إنك إن تركته طليقا فى السجن [يكلّم الناس «٣» ] يوشك أن يميل بهم عليك، ولكن مر له بعذاب فى السجن يشغله عن كلام الناس. فأمر به فبطح [فى السجن «٤» ] على وجهه ثم أوتد [له «٥» ] فى يديه ورجليه أربعة أوتاد من حديد [فى كل ركن منها «٦» وتد] ، ثم أمر بأسطوان من رخام فوضع على ظهره، وحمل ذلك الأسطوان ثمانية عشر رجلا، فظلّ يومه [ذلك «٧» ] موتدا تحت الحجر. فلمّا أدركه الليل أرسل الله تعالى [اليه «٨» ] ملكا فقلع عنه الحجر ونزع الأوتاد وأطعمه وسقاه وبشّره وعزّاه. فلمّا أصبح أخرجه من السجن وقال له: الحق بعدوّك فجاهده فى الله حقّ جهاده، فإنّ الله يقول لك:

أبشر واصبر فإنّى قد ابتليتك بعدوّك هذا سبع سنين يعذّبك ويقتلك فيهنّ أربع مرّات، فى كل ذلك أردّ إليك روحك، فإذا كانت الرابعة تقلبّت روحك وأوفيتك أجرك. قال: فلم يشعر الملك وأصحابه إلّا وجرجيس قد وقف على رءوسهم وهو يدعوهم إلى الله تعالى. فقال له الملك: يا جرجيس من أخرجك من السجن؟ قال: أخرجنى الذى سلطانه فوق سلطانك. فلمّا قال له ذلك ملىء غيظا ودعا بأصناف العذاب حتى لم يخلّف منها شيئا. فلمّا رآها جرجيس أوجس فى نفسه خيفة وفزعا منها، ثم أقبل على نفسه يعاتبها بأعلى صوته وهم يسمعون.